توقع تقرير شركة بوسطن كونسلتينج جروب أن يصل معدل الإنفاق على التقنيات الرقمية، (بما في ذلك تقنية المعلومات والاتصالات والتقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والبلوك تشين، والروبوتات، وما إلى ذلك) في الإمارات إلى نحو 20 مليار دولار، خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ونشرت شركة بوسطن كونسلتينج جروب تقريراً جديداً يسلط الضوء على تنامي اهتمام الشركات عبر مختلف القطاعات الاقتصادية، ومن بينها الخدمات المالية والرعاية الصحية والتعليم والتنقل، بتبني التقنيات الرقمية، متطلعة لجذب شرائح مستهدفة من العملاء، بالإضافة إلى دورها في أتمتة العمليات وتحسينها، والحد من النفقات وزيادة الإيرادات، حيث أشار التقرير إلى أهمية تبني نهج الاقتصاد الرقمي لدى صناع القرار الحكوميين، نظراً لدوره الحيوي في تحقيق نتائج ذات طبيعة استراتيجية من المستوى التالي. ورغم تزايد حالات عدم اليقين في الاقتصاد الكلي على المدى القصير إلا أن النتائج المتوقعة لاعتماد تقنيات الأتمتة والروبوتات، وتنامي البيانات وقدرات الذكاء الاصطناعي، خلال السنوات المقبلة تؤسس لإحداث تحولات جذرية غير مسبوقة، والارتقاء بمعدل الثروات إلى آفاق جديدة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويشير التقرير بعنوان «استشراف الفرص الاقتصادية في المشهد الرقمي الجديد» إلى أن من المتوقع أن تسهم التقنيات الرقمية بتوفير أكثر من ثلثي حجم النمو في معدلات الإنتاجية على مدى العقد الماضي، ومن المتوقع أن تشكل 25-30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، خلال العقد المقبل، وستتمكن الاقتصادات عند تحديد واقعها وتقييمه بشكل مناسب، من الحفاظ على قدراتها التنافسية، وتحسين مستويات الإنتاجية وتمتين مرونتها في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
رؤية استشرافية
وتتمتع الإمارات العربية المتحدة بمكانة ريادية تؤهلها لتحقيق رؤيتها الاستشرافية، بناء على خبراتها ووعيها بالزخم التنافسي للعصر الرقمي الجديد، لمضاعفة مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي من 9.7% إلى 19.4% خلال السنوات العشر المقبلة، وستسهم رؤية «نحن الإمارات 2031» في ترسيخ استراتيجية الاقتصاد الرقمي سريعة النمو في الدولة، بناء على ركيزتها الأساسية للمستقبل الرقمي.
من ناحية أخرى، تحفز أجندة دبي الاقتصادية للسنوات العشر المقبلة «D33» أجواء التنافسية لتوسيع نطاق البرامج الرقمية على مستوى 30 شركة، لتتحول إلى شركات عالمية رائدة في قطاعات اقتصادية جديدة. وتحقيقاً لهذه الغاية، أطلقت أجندة دبي الاقتصادية برنامج «دبي ساندبوكس» لتسخير اختبار وتسويق المنتجات والتقنيات الجديدة، بهدف أن تكون دبي مركزاً رئيسياً لاحتضان الابتكارات في السوق.
وتعليقاً على التوجه لتطوير الشركات الرقمية إلى مستوى الشركات الناشئة الصاعدة، وإنشاء منصة «دبي ساندبوكس» لاختبار التقنيات الرقمية قال الأستاذ فيصل حمادة، المدير المفوض والشريك في شركة بوسطن كونسلتينج جروب، الذي شارك في إعداد التقرير: «يحتاج مشهد الأعمال في عالمنا سريع التحول إلى اعتماد هياكل حوكمة مرنة جديدة، لتحديد الأولويات والرؤى حول أفضل الطرق لتمكين المنظومات الرقمية من تعزيز مستويات النمو على مستوى مختلف القطاعات الاقتصادية. وعلى الرغم من انجذاب مجمعات القيمة الحالية نحو الاقتصاد الرقمي تشهد الأسواق ظهور مجمعات جديدة للقيمة بوتيرة متسارعة، وبفئات أكثر تنوعاً من المشاركين».
مسار التقدم
وذكر ثيبولت ويرلي، المدير المفوض والشريك في شركة بوسطن كونسلتينج جروب، والمؤلف المشارك في التقرير: «من المتوقع أن يصل معدل الإنفاق على التقنيات الرقمية (بما في ذلك تقنية المعلومات والاتصالات والتقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والبلوك تشين، والروبوتات، وما إلى ذلك) في الإمارات إلى نحو 20 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة. وتزامناً مع مسار التقدم السريع للتحول الرقمي عبر المستوى الأساسي من الممكن أن يتقدم المستوى الضيق للاقتصاد الرقمي مساهماً في تبديل المشهد الحالي للأعمال التجارية على نحو كبير، ويؤدي ظهور نماذج التطوير اللامركزية والنماذج المجتمعية والمدعومة بتقنية الجيل الثالث للويب إلى دفع ملكية المستخدم نحو اقتصاد افتراضي موازٍ جديد، مع منح الشركات فرصة الظهور للمستخدمين، بطرق أخرى أيضاً».
ومن المتوقع أن يؤدي تنوع الاستثمارات التي تقودها تقنية «الميتافيرس» خارج حدود التجارب الترفيهية، التي يوفرها الواقع المعزز والافتراضي، وتوجهها نحو محركات التعاون في مكان العمل التي تركز على الهوية والأمان والإنتاجية، إلى رفع إيرادات سوق «الميتافيرس» في الإمارات العربية المتحدة إلى مستويات جديدة.
وعلى المستوى الواسع للاقتصاد الرقمي، من الممكن أن تضطر مختلف القطاعات للتوافق مع «المستقبل الإلكتروني»، حيث يتم قياس النجاح بناء على معايير جديدة في مجالات المنافسة والميزة الاقتصادية الرقمية. في هذا السيناريو ستتنافس الشركات على «وتيرة التعلم» بدلاً من حجم الإنجازات، ويمكن أن تؤدي التحسينات المتكررة للنماذج وخوارزميات الذكاء الاصطناعي، وقدرات الآلة المعرفية المعززة والمدعومة بالمرونة والقدرة على التكيف والخبرة البشرية الشاملة إلى استحداث «مؤسسات خارقة» تحدد معايير المزايا التنافسية.
الخيارات المتوفرة للجهات الحكومية
بالنظر إلى الحجم الهائل المتوقع على مستوى النمو ستتوفر الحلول الوسطية المتوقعة، التي تقدم البيانات مجاناً، بالتزامن مع تعزيز سلامة البيانات والقدرة على التحكم بها، لقاء تعويضات حيوية، ومن المهم أيضاً تحديد قطاعات البنية التحتية، التي تعتبر أصولها وأنظمتها وشبكاتها، سواء كانت مادية أو افتراضية، ذات طابع حيوي، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإدارة مخاطرها.
وأضاف فيصل حمادة، المدير المفوض والشريك في شركة بوسطن كونسلتينج جروب: «يوفر التوسع الاستثنائي للقطاع الرقمي، والذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات خيارين لا ثالث لهما للقادة وصناع القرار: إما التكيف مع وتيرته المتسارعة، وإما التخلف عن الركب، وبالتالي، ستتمكن الحكومات من إعادة هيكلة الإطار التنظيمي للعالم الرقمي أولوية رئيسية، من خلال تحديد المسارات، التي تتغير فيها الأنظمة بوتيرة التغيير نفسها التي تشهدها التقنيات. ومن الممكن أن يسهم هذا المنظور في توجيه الجهات المعنية نحو الاستثمارات المثالية على مستوى البنية التحتية، وتحديداً في مجمعات القيمة الناشئة، بهدف تحفيز الابتكار وتعزيز الفرص الاقتصادية».
ومن المهم التركيز على الاتجاهات المتكاملة، التي تعزز إنتاجية العوامل الإجمالية، حيث يمكن للأسواق المستهدفة في المستقبل تمكين الاقتصاد الرقمي من المساهمة بصورة فاعلة في الناتج المحلي الإجمالي، ويمكن القيام بذلك عبر تبني السياسات، التي تشجع الاستثمار في البنية التحتية الرقمية والبحث والتطوير في التقنيات الرائدة، مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وخلق بيئة ابتكارية لتدريب أو جذب المواهب المتخصصة والمتميزة بمهاراتها العالية.
كما ستتمكن الحكومات، من خلال التعاون مع الجهات العامة الأخرى في مواءمة الأولويات الاستراتيجية، توفير الدعم لمعالجة القضايا الأساسية مثل الإدماج الرقمي، والتطور الاجتماعي، والأسئلة المتعلقة بالأخلاقيات الرقمية، بما في ذلك كيفية القضاء على التحيز الاجتماعي في الذكاء الاصطناعي (سواء من منظور البيانات الهيكلية، ومن تعريف الخوارزميات والتدريب).
واختتم فيصل حديثه قائلاً: «بالنسبة للحكومات فإن الاقتصاد الرقمي أمر محتوم، حيث يجسد التحول الأساسي، الذي يمكن اعتماده لتبديل الطرق التقليدية المتبعة في تنظيم الاقتصادات وإدارتها تاريخياً. إن مواجهة هذا العالم الجديد بجرأة يحتاج لتطوير القدرات على نحو مستمر، لضمان مستوى عال من التنافسية، وضمان النجاح على الساحة العالمية».
تعريف الاقتصاد الرقمي
يتألف العالم الرقمي من النشاط الاقتصادي، الذي أنشأه المنتجون والموردون عبر ثلاثة مستويات: الأساسي (قطاع التقنيات الرقمية)، والضيق (المرافق والأعمال الرقمية)، والواسع (الاقتصاد الرقمي).
• أساسي: النشاطات الاقتصادية لمنتجي المحتوى الرقمي وسلع وخدمات تقنية المعلومات والاتصالات (بما في ذلك شركات تقنية المعلومات والاتصالات، التي تشمل الأجهزة والبرامج والخدمات).
• ضيق: يشمل هذا المستوى النشاطات الاقتصادية للشركات التي تعتمد على المدخلات الرقمية (مثل الخدمات الرقمية وشركات المنصات) – يتم تعريفها عموماً على أنها أعمال «رقمية فقط».
• واسع: النشاطات الاقتصادية للشركات التي تحسنت أعمالها على نحو ملحوظ بفضل اعتماد المدخلات الرقمية (بما في ذلك الأعمال الرقمية على نحو واسع في التجارة الإلكترونية، والثورة الصناعية الرابعة، وما إلى ذلك).