على الرغم من الانتقادات الحادة التي تعرضت لها فكرته بالتحول إلى تكنولوجيا “ميتافيرس” كونها ستشكل مستقبل الإنترنت في الحقبة اللاحقة، فإن مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك لم يتوان عن السير لتحقيق فكرته، بل أيضاً غيّر اسم شركته إلى “ميتا” (Meta)، ويعني “الما وراء”.
ولم يمضِ سوى عام على توجه الشركة الاستراتيجي نحو الواقع الافتراضي أو ما يعرف بـ”ميتافيرس”، حتى بدأت سفينة زوكربيرغ المبحرة في عالم ما وراء الويب في التعرض للعواصف العاتية التي قد تقضي على حلم الشركة بالسيطرة على تكنولوجيا الواقع الافتراضي والواقع المعزز، التي ترى فيها الشركة “الحدود التالية” لعالم الانترنت والتواصل.
وعلى الرغم من أن البعض يرون في هذه النسخة الطموحة من الإنترنت والمعروفة باسم “ميتافيرس”، مستقبل التفاعل البشري، لكنه من غير الواضح كيف سيبدو الكون الافتراضي الموحد، أو ما إذا كان الناس يريدون ذلك حقاً.
سقوط مدوي
هوى سهم شركة “ميتا” المالكة لشبكة “فيسبوك” بنسبة 19% في تعاملات ما بعد الإغلاق إلى 105.2 دولار يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وذلك بعد صدور تقارير مالية أظهرت انخفاض إيرادات الشركة الأمريكية المالكة لشبكة “فيسبوك وإنستغرام وواتس آب” بنسبة 52% في الأرباح عند 4.4 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2022.
إثر ذلك، خسر مؤسس شركة ميتا مارك زوكربيرغ 76.6 مليار دولار من ثروته مما جعله في المركز الـ23 بين أثرياء العالم. وتسببت خسائر فادحة في Metaverse وAR/VR التي بلغت تكلفتها التشغيلية 3.67 مليار دولار في عام 2022 في تراجع الإيرادات إلى 285 مليون دولار فقط.
وتعرّض زوكربيرغ البالغ من العمر 38 عاماً لانتقادات من المستثمرين والمساهمين على حد سواء بسبب رهانه الطموح الذي لا يمكن تفسيره على عالم ميتافيرس الذي أدّى إلى ارتفاع النفقات الرأسمالية لشركة “ميتا”، مع فرض ضغوط على أعمالها الأساسية وإبعاد الموظفين.
من جهته، دافع زوكربيرغ، الذي أنفق 10 مليارات دولار على “رؤيته المستقبلية لشركة Metaverse”، عن رؤيته لشركة “ميتا” قائلاً: “أتفهم أن كثيراً من الناس قد يختلفون مع هذا الاستثمار. ولكن مما يمكنني قوله، أعتقد أن هذا سيكون شيئاً مهماً للغاية، وأعتقد أنه سيكون خطأً بالنسبة إلينا عدم التركيز على أي من هذه المجالات التي ستكون مهمة بشكل أساسي في المستقبل. لذلك، سنحاول القيام بذلك بطريقة مسؤولة وتتوافق مع الطريقة التي ينمو بها العمل بمرور الوقت”.
ما مصير ميتافيرس بعد انهيار أسهم ميتا؟
بعد عام من تركيز جُل جهودها للسيطرة على هذا العالم، لا يزال عالم ميتافيرس بكراً حتى الآن، لكون عمالقة التكنولوجيا لا يزالون يعدون العدة لدخول هذا العالم بقوة، ما يعني أنه لا يزال متسعاً للجميع حالياً، وذلك رغم دخول شركة “ميتا” هذا العالم من أوسع أبوابه وتوجيه معظم استثماراتها إلى مشاريعها الجديدة على عالم ميتافيرس، وإعلان عمالقة التكنولوجيا الصينيين نيتهم للمنافسة في هذا العالم أيضاً.
لكن الخسائر الأخيرة التي تعرضت لها شركة “ميتا” من شأنها أن تؤثر سلباً على تطور هذا العالم، لتقلص حجم العائدات المالية التي كان يفترض بالشركة الرائدة إنفاقها على تطوير عالمها الخاص وشخصياتها على ميتافيرس، وذلك رغم عدم وجود نقص في المستثمرين الذين يراهنون على ظهور هذا العالم.
وإلى جانب الخسائر المادية التي تعرضت لها ميتا مؤخراً واحتمالية تأثير ذلك سلباً على استثماراتها داخل عالم ميتافيرس، يُدفع إلى صانعي الرقائق واستوديوهات ألعاب الفيديو والشركات الأخرى، التي يمكن أن تزدهر منتجاتها، أكبر الشيكات حدث ذلك أم لم يحدث.
فيما نقلت مجلة بلومبيرغ أقوال الرئيس التنفيذي لشركة Microsoft Corp ساتيا ناديلا، والتي أشار فيها في يناير/كانون الثاني إلى أن استحواذ الشركة المخطط له على شركة Activision Blizzard Inc بقيمة 69 مليار دولار، سيساعد في بناء “الإنترنت التالي”. لكنه أضاف: “لن يكون ميتافيرس مركزي واحد ولا ينبغي أن يكون”.
هل من المجدي الانتظار؟
من أجل ازدهاره، سيحتاج عالم ميتافيرس إلى إنترنت فائق السرعة يمكنه التعامل مع مئات التدفقات المتزامنة من البيانات، ولا تكاد معظم الاتصالات اللاسلكية اليوم تدعم الألعاب متعددة اللاعبين مثل Fortnite.
ومع ذلك، ثبت أنه من الصعب إقناع الأشخاص بربط سماعة رأس VR بوجوههم والتسكع مع نسخ كرتونية من زملائهم وأفضل أصدقائهم، وفقاً لبلومبيرغ التي رأت أيضاً أنه لا قدر كبيراً من الأدلة على أن الأشخاص الذين يعملون من المنزل يريدون التبديل من مكالمات Zoom المنتظمة إلى الاجتماعات في الواقع الافتراضي. مشيرةً إلى أنه بالنسبة إلى البعض، فإن فائدة الشعور “في الغرفة” يقابلها الإحساس بالدوار والغثيان الذي يمكن أن يأتي مع الحركة المستمرة.
وسبق أن تعرض زوكربيرغ لموجة من السخرية على نطاق واسع بسبب أن الصور الرمزية الرقمية ثلاثية الأبعاد التي تهدف إلى محاكاة أجسادنا تفتقر حتى الآن إلى الأطراف السفلية. وتعرض زوكربيرغ للسخرية في أغسطس/آب الماضي عندما شارك صورة رمزية له تُظهر فقط الجانب العلوي من جسده فيما كان جانبه السفلي في عِداد الغيب.
لكن، وعلى الرغم من الخسائر والعيوب، يمكن أن يشهد عالم ميتافيرس قفزة تكنولوجية مشابه للتحول الذي حدث على الويب في التسعينيات. إذ تغيرت الطريقة التي يتجمع بها الناس ويتفاعلون وينفقون الأموال، مما يخلق تجربة حياة افتراضية مميزة. إنه نوع المستقبل المتخيل في روايات الخيال العلمي مثل “Snow Crash” لنيل ستيفنسون وأفلام مثل “The Matrix” و “Ready Player One”.