3 منصات إبداعية وفرت بيئات تعاونية لدعم الجمهور للجمهور منذ عدة سنوات، كان على رأس أهم الموضوعات التقنية المتداولة ما يدعى بالبرمجيات والأنظمة مفتوحة المصدر، والتي أصبحت فلسفة لجمهور عريض من محبي التقنية الذين يريدون الابتعاد عن تحكم الشركات التقنية الكبرى التي تتحكم في السوق، وفي بياناتنا.
اقرا امزيد: وصول القيمة السوقية لأكبر 100شركة عالمية لـ31.7 تريليون دولار.. أبل فى المقدمة
على سبيل المثال، لا يزال نظام ويندوز ومنذ القدم نظام التشغيل الأكثر انتشاراً على مستوى العالم، إلا أن أحد أكبر إشكاليات ويندوز الذي تطوره شركة مايكروسوفت أن الشركة لا توفر للمستخدمين الوصول إلى الكود الذي يعمل به ويندوز، لذلك لجأ العديد من محبي التقنية إلى ما يعرف بـ(توزيعات لينكس) والتي يمكنهم من خلالها، ليس فقط الاطلاع على الكود الخاص بهذه الأنظمة، بل أيضاً التعديل عليها والخروج بتوزيعات جديدة ذات خصائص مختلفة، وهو ما جعل المنافسة تشتعل بين الشركات الكبرى وبين مطورين لا يملكون مقدرات تلك الشركات.
وهذا هو سر ما نطلق عليه المصدر المفتوح، أي الكود أو البرمجية التي يستطيع الجميع الوصول إليها واستخدمها أو التعديل عليها، والتي عادة ما تكون مجانية، وهو ما تحول إلى فلسفة اجتاحت جميع نواحي الإنترنت، من ويكيبديا التي يحررها الجمهور إلى الجمهور، ووصولاً إلى الكثير من الأدوات والمنصات التي تعمل طبقاً لفكرة المصدر المفتوح.
الويب 3 واللامركزية
مع وصول مصطلح “الويب 3” الذي يُعد امتداداً لفكرة المصدر المفتوح، يَعِد خبراء ومحبي هذا المصطلح بإنترنت لا مركزي، لا سلطة فيه للكيانات والشركات التقنية الكبرى، وانتقال تلك السلطة إلى جماهير المستخدمين، وذلك عن طريق الاعتماد على البلوكتشين، وهو سجل رقمي دولي يسمح للمستخدمين بالتعامل مع بعضهم البعض دون وسيط أو “طرف ثالث”، وهو ما يعني خطوة جديدة وكبيرة في فلسفة المصادر المفتوحة.
فإذا جاز أن نسمي الجيل الأول من الويب بالإنترنت الثابت، فإن الجيل الثاني من الويب سيكون هو الويب الاجتماعي الذي يتفاعل فيه المستخدمون مع بعضهم البعض. وبالوصول إلى الجيل الثالث من الويب، سيكون الويب لامركزياً ينتقل بنا من عالم تساهم فيه المجتمعات، ولكنها لا تملك أو تربح (ويب 2)، إلى عالم يمكن للجميع فيه من خلال التعاون والتملّك والربح عبر الإنترنت بشكل اعتيادي.
فمن خلال الابتعاد عن شبكات التواصل الاجتماعي والخدمات التقليدية الكبرى التي تتمحور حول استفادة الشركات الكبيرة، يوفر ويب 3 إمكانية التعاون بين الجمهور للخروج بمنصات وخدمات موازية للخدمات التقليدية، وهو الأمر الذي يجذب الكثير من المطورين الموهوبين والأكثر طموحاً اليوم، للعمل على مشاريع لم تكن ممكنة في السابق.
يقول كي تشونغ تران – الحاصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد الدولي من جامعة كاليفورنيا، وأحد أول المستخدمين للبتكوين، وأحد أبرز العاملين على تقنيات بلوكتشين -: “إن الجيل الثالث من الويب ينتزع السيطرة من الشركات المركزية التي تهيمن على الويب اليوم”، وهو ما قد يجعل هذه الشركات جزءاً من الماضي، حيث ستُستبدل بالشبكات اللامركزية التي لا يتحكم فيها كيان واحد. ففي العالم اللامركزي، لا تكون المشاركة مفتوحة للجميع فحسب، بل إنها مصممة بحيث إنه كلما زاد عدد المشاركين، زاد نجاح الجميع.
مجتمعات التعاون وتبادل الخبرات
بجانب قدرة هذه المجتمعات على منافسة الشركات التكنولوجية الكبرى، أصبحت تلك المجتمعات اليوم أحد أبرز الأماكن التي يلجأ إليها الكثير من محبي التقنية، المطورين، المبرمجين، وغيرهم الكثير، لولوج عالم شبه خيالي يسمح للأشخاص بتوفير وقت كبير للعمل على شيء ما في وقت شبه فوري، بالمقارنة مع أيام وشهور من العمل إذا أراد ذلك منفرداً دون التعاون مع الآخرين. وفي هذه القائمة نتناول 3 منصات تجسِّد هذه الفكرة وتعتبر أحد أبرز المجتمعات التعاونية في مجالاتها:
GitHub.. وحلم الكود الجاهز
عندما يُنشئ المطورون شيئاً ما، “تطبيق” على سبيل المثال، فإنهم يُجرون تغييرات مستمرة على الكود من أجل تطوير وتحسين البرمجية، ويصدرون إصدارات جديدة تعقب الإصدار الأول، ومن أجل حفظ تلك الإصدارات المتعاقبة للرجوع إليها، تعمل أنظمة التحكم في الإصدارات على تخزين التعديلات في مستودع مركزي يمكن الرجوع إليه، وفي حالة البرمجيات مفتوحة المصدر يكون الرجوع لكود الإصدارات متوفراً للجميع.
يتيح ذلك للمطورين التعاون بسهولة، حيث يمكنهم تنزيل إصدار جديد من البرنامج وإجراء التغييرات والتعديلات على الكود المصدر، وتحميل أحدث نسخة من البرنامج، وهو ما يسمح لكل مطور رؤية هذه التغييرات الجديدة وتنزيلها والمساهمة فيها، ويصبح بإمكان الأشخاص العاديين تنزيل تلك الملفات واستخدامها.
بهذا الصدد، تتوفر العديد من أنظمة التحكم في الإصدارات، إلا أن أشهرها على الإطلاق هي Git التي صممها لينوس تورفالدس مصمم نواة نظام لينكس التي تأتي منها توزيعات لينكس، ومبنية عليه أنظمة مثل أندرويد، أما عن المكان الذي تستطع أن تجد فيه الإصدارات باستخدام Git.. فهو GitHub.
تمتاز المنصة، التي أصبحت مملوكة من قبل شركة مايكروسوفت، كونها شبكة التواصل الاجتماعي الأشهر للمطورين والمبرمجين، وبكل شيء له علاقة بالأكواد والبرمجة، مما يسمح للمشروعات بالنمو أكثر على المنصة، فكل مستخدم على GitHub لديه ملفه الشخصي الخاص الذي يعمل عليه مثل سيرة ذاتية تعرض الأعمال السابقة ومساهمات الأعضاء في مشاريع أخرى، كما تسمح المنصة لمجموعة كبيرة من الخبراء المساهمة والتعاون للمضي قدماً في مشروع ما يتفقون على تنفيذه، وهذا مكمن قوة المنصة (التعاون).
قبل ظهور GitHub، كان المطورون المهتمون بالمساهمة في مشروع ما، يعملون عادةً لإيجاد بعض وسائل الاتصال بالمبرمجين الأصليين للمشروع الذين يريدون المشاركة فيه – عن طريق البريد الإلكتروني أغلب الوقت – ثم يعملون على إقناعهم بأنه يمكن الوثوق بهم وأن مساهمتهم ستحدث تأثيراً، وهو الأمر الذي كان يأخذ وقتاً طويلاً وجهداً مضنياً ونتيجةً غير مضمونة من حيث التعاون، هذا ناهيك عن الصعوبات التقنية التي قد يواجهها الفريق في حالة قبول المبرمج الأصلي للتعاون، لكن مع قدوم GitHub اختلف الأمر تماماً.
فعندما يتعاون عدة أشخاص في مشروع برمجي ما، يكون من الصعب تتبع المراجعات من غير تنظيم تلك الملفات ومتى وأين تم تخزينها، إلا أن GitHub جاء ليعتني بهذه المشكلة من خلال تتبع جميع التغييرات التي تجري في المشروع.
إلى هذا الحد، قد يتصور الكثير منا أن GitHub مكان مثالي للمطورين والمبرمجين إلا أن ذلك ليس صحيحاً، فالجمهور العادي أصبح بإمكانه الاعتماد على المنصة أيضاً، فعن طريق مجموعة من الأدوات السهلة، التي لا تحتاج لخبرة وتمرس في البرمجة، يمكن للمستخدمين العاديين الولوج للمنصة والحصول على تطبيقات وأدوات كثيرة مختلفة في شتى المجالات، وهو ما يحدث ثورة في عالم المصادر المفتوحة، حيث بات بإمكان أي شخص الحصول أو البحث عن كود جاهز لبرمجية ما والعمل عليها فوراً دون أي جهد يُذكر أو مالٍ ووقت من أجل العمل على كود هذه البرمجية، وذلك يشمل المطورين بالطبع والأشخاص العاديين.
Kaggle.. شبكة المهتمين بالذكاء الاصطناعي
من الكود إلى عالم الذكاء الاصطناعي، تأتي Kaggle المصممة من قبل شركة جوجل، كمنصة لأكبر مجتمع مهتم بالذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، حيث يجتمع علماء ومحللو البيانات والمتخصصون في الذكاء الاصطناعي على المنصة، والذين يتشاركون مشاريع في مجالات عديدة، كما أنهم يتنافسون أيضاً على المنصة من خلال مسابقات Kaggle.
مسابقات Kaggle هي مسابقات حقيقية، مع قوائم تصنف المتصدرين في تلك المسابقات، والتي توفر أحياناً جوائز مالية كبرى. على سبيل المثال، أنشأت شركة TwoSigma مسابقة بجوائز مالية قدرها 100 ألف دولار على المنصة، كما قدم بنك Santander Bank جوائز بقيمة 65 ألف دولار لأفضل الحلول لبعض المشاكل الخاصة بالبنك.
في معظم الحالات، يرسل كل مستخدم حلوله الخاصة ليتم وضعه في الترتيب العام، وفي بعض المسابقات يمكن للأعضاء التسجيل كفريق، حيث تكون النتيجة الإجمالية هي متوسط نتائج أعضاء الفريق، مما يزيد العمل حماساً وتعاونية.
يمكن أن تكون هذه التحديات في أي مجال يخطر على بالك، من التنبؤ بأسعار المساكن إلى اكتشاف الخلايا السرطانية، فلدى Kaggle مجتمع ضخم من علماء البيانات المستعدين دائماً لمساعدة الآخرين في مشاكل الحياة اليومية عبر علم البيانات ونماذج تعلم الآلة.
بالإضافة إلى المسابقات، لدى Kaggle أيضاً العديد من البرامج التعليمية والموارد التي يمكن أن تساعد المبتدئين في بدء تعلم الذكاء الاصطناعي، فمنصة Kaggle تمثل مجتمعاً كبيراً مهتماً بتوسيع وجذب المزيد من محبي الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، لذا توفر المنصة مجموعة من التدريبات العملية على المنصة للتدرب على لغات البرمجة المستخدمة في الذكاء الاصطناعي وقواعد البيانات – مثل بايثون وإس كيو إل – وغيرها من الأدوات المتعلقة بهذا المجال، مما يفتح الباب أمام المبتدئين للانطلاق في رحلة تعلمهم وبشكل عملي من الساعة الأولى.
وكمنصة متخصصة في الذكاء الاصطناعي، تتوفر على المنصة الكثير من قواعد البيانات في مجالات كثيرة ومختلفة، والتي تسمح لعلماء البيانات والذكاء الاصطناعي تدريب الآلات من خلالها على النماذج المتوفرة على المنصة والخروج بنتائج تُستخدم لحلول مشاكل متعددة في العالم الواقعي.
Kickstarter.. المجتمع يمول الابتكار
كان العلماء والمخترعون قديماً يسعون دوماً لتمويل يوفر لهم الأدوات التي يحتاجونها لتنفيذ اختراعاتهم، ودون ذلك التمويل، غالباً ما كانت تلك الأفكار الإبداعية – والتي كان يمكن لها أن تغير العالم وتصنع شكلاً جديداً من العالم الذي نعيشه – يكون محلها الدائم رفوف المكتبات وأدراج المكاتب التي يعلوها الغبار.
في عالم اليوم تسيطر الشركات الكبرى عادةً على تنفيذ المشاريع الكبرى والابتكارات الرائدة، كما أنها تحارب الابتكارات التي قد تواجه أجندتها في السوق، كذلك تعمل الجامعات الكبرى بجانب رجال الأعمال في تمويل مشاريع المبتكرين، إلا أن الوصول لمثل هذه الجامعات ورجال الأعمال، وكذلك الشركات، يُعد أمراً صعباً في حد ذاته، خاصة في عالمنا العربي.
من أجل حل هذه المعضلة تحديداً خرجت Kickstarter للنور لدعم وتمويل المشاريع التي تحظى بقبول لدى الكثير من الناس، وذلك عن طريق تمويل المشاريع التي يرون فيها حلاً لمشكلة ما، أو تطويراً لأداة قد تسهل من حياتنا، وذلك عبر دفع حفنة من الدولارات والتي تصبح مع الوقت مثل كرة الثلج التي تجلب الدعم من الكثير من مستخدمي المنصة ليحصل المشروع على التمويل المطلوب.
وتعتمد المنصة على ضمانات محددة عبر سلسلة من الإجراءات التي تضمن جدية المشروع وأهميته بالنسبة للممولين. فبدايةً يُنشئ أصحاب المشاريع صفحة لعرض تفاصيل مشروعاتهم ونماذجها الأولية باستخدام النصوص والفيديو والصور، ويحدد منشئو المشروع هدف التمويل والمبلغ المطلوب لتنفيذ المشروع وموعداً نهائياً لخروج المشروع للنور. كما يتسنى للداعمين والممولين الحصول على مكافآت عند ربح المشروع وتداوله في السوق، فكلما زاد تمويل الداعم، زادت المكافأة.
وعندما يمول عدد كافٍ من الداعمين المشروع، يمكن لمنشئ المحتوى تطوير رؤيته وبدء العمل، وطبقاً لمدى صعوبة المشروع، قد يضطر الداعمون للانتظار شهوراً لرؤية المنتج النهائي.
في المقابل يجب على كل صاحب مشروع مراجعة إرشادات مشروعات Kickstarter قبل إرسال المشروع للداعمين، إذ يقبل Kickstarter حوالي 75% من المشاريع المقدمة ويرفض 25% بسبب عدم الامتثال للإرشادات.
تنص بعض هذه الإرشادات على أنه لا يمكن لصحاب الابتكار أن يجمع أمواله إلا إذا حقق هدفه التمويلي بحلول الموعد النهائي، فإذا لم يصل إلى الهدف في الوقت المناسب، فلن يتم تبادل الأموال والتي تعود إلى الداعمين مرة أخرى. كما أن هناك بنوداً وشروطاً أخرى تضمن لكلا الطرفين الجدية في تحقيق الهدف مع المرونة التي لا تؤذي المشاريع الجادة والتي تحتاج إلى وقت.
بهذا، استطاع Kickstarter من خلال تأسيسه لمجتمع محب للابتكارات والاختراعات منازعة الشركات المسيطرة والجامعات الكبرى ورجال الأعمال الذين كانوا يحظون وحدهم بإمكانية تمويل المشاريع، لتكتب المنصة فصلاً جديداً من عصر اللامركزية وقوة الحشود التي تثبت يوماً بعد يوم قدرتها على منافسة كبرى الكيانات، جاعلة السلطة في يدك أنت.
اقرا المزيد: علماء يبتكرون بدلة متطورة تسمح للصُم بتذوق الموسيقى