
لم يعد الذكاء الاصطناعي رفاهية حكرًا على الشركات الكبرى؛ بل أصبح اليوم عنصرًا محوريًا في استراتيجيات الشركات الصغيرة والمتوسطة بالشرق الأوسط، حيث يُستخدم لتقليل التكاليف، تحسين خدمة العملاء، وتوسيع نطاق الأعمال دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية.
على مدى سنوات، مثّل التحول الرقمي تحديًا لهذه الشركات بسبب تعقيده وكلفته العالية. لكن مع ظهور المنصات التي لا تتطلب برمجة (No-Code) والتطبيقات سهلة الاستخدام، أصبحت الأتمتة متاحة حتى لأصغر الفرق وبأبسط الإمكانيات.
المرونة في صميم التجربة
بدأ اعتماد الذكاء الاصطناعي من أقسام خدمة العملاء والمبيعات، حيث أثبت فعاليته في أتمتة المهام الروتينية مثل الرد على الاستفسارات، اقتراح المنتجات، وإدارة الطلبات. وبفضل الذكاء الاصطناعي، أصبح التفاعل مع العملاء أكثر طبيعية وودية مقارنة بالأنظمة التقليدية الجامدة.
ويكتسب هذا التحول أهمية خاصة في منطقتنا، إذ يشكّل الشباب القوة الشرائية الأكبر وهم جمهور رقمي بطبيعته، يتوقع سرعة في الخدمة وتجربة مخصصة ودعمًا مستمرًا. من هنا، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد وسيلة لتحسين الكفاءة، بل أصبح أداة استراتيجية لبناء علاقات أعمق وأكثر استجابة مع العملاء.
نتائج ملموسة
التأثير واضح وملحوظ: ارتفاع الإنتاجية، تقليص المهام اليدوية، تحسين مرونة سير العمل، وتسريع عملية اتخاذ القرار. هذه المكاسب تمنح الشركات الصغيرة والمتوسطة قدرة تنافسية حقيقية في أسواق تتغير بوتيرة سريعة.
ما الذي تحتاجه الشركات الصغيرة والمتوسطة؟
أكثر الحلول قيمة لهذه الشركات هي تلك التي تجمع بين سهولة الوصول، وانخفاض التكلفة، وسرعة التطبيق. نماذج الاشتراك الشهري مثلًا تتيح الانطلاق بخطوات صغيرة ثم التوسع تدريجيًا دون أعباء مالية ضخمة.
كما لم يعد الذكاء الاصطناعي مقتصرًا على خدمة العملاء، بل امتد ليشمل المبيعات، أبحاث السوق، وتحليل الجمهور، مما يمنح الشركات رؤى أعمق حول سلوك العملاء ويتيح لها تقديم تجارب أكثر تخصيصًا.
ومع ذلك، فإن النجاح لا يعتمد على التقنية وحدها، بل يتطلب تصميمًا أخلاقيًا ورقابة بشرية تراعي الشفافية، العدالة، واحترام الخصوصية — وهي أساس بناء الثقة في سوق رقمي مزدحم.
تجارب إقليمية ملهمة
لا يقتصر اعتماد الذكاء الاصطناعي على القطاع الخاص فقط. ففي الكويت، أطلقت وزارة التربية المساعد الذكي “تحدث مع حمد”، الذي عالج أكثر من 16 ألف صفحة محتوى وأدار نصف مليون محادثة خلال شهره الأول. نجاح هذا النموذج الحكومي يعكس الإمكانات الكبيرة التي يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة الاستفادة منها عبر حلول مشابهة.
بيئة داعمة للنمو
تسير المنطقة بخطى متسارعة نحو تعزيز دور الذكاء الاصطناعي، بدعم من مبادرات حكومية طموحة. ففي الإمارات، تستهدف استراتيجية الذكاء الاصطناعي 2031 دمج التقنية في قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والتجزئة. أما السعودية، فترى في التحول الرقمي ركيزة أساسية لتحقيق رؤية 2030، بينما تسرّع مصر من رقمنة الشركات الصغيرة والمتوسطة كجزء من إصلاحاتها الاقتصادية.
المستقبل أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة
مع توسع رقعة التحول الرقمي، سيشمل الذكاء الاصطناعي مجالات أكثر تعقيدًا مثل سلاسل الإمداد، التنبؤات المالية، والعمليات التشغيلية الأساسية. كما تستثمر الحكومات في البنية التحتية الرقمية لتسريع هذا المسار.