الذكاء الاصطناعي يعيد رسم خريطة سوق العمل العالمي في 2025

يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل سوق العمل العالمي بوتيرة غير مسبوقة خلال عام 2025، في مشهد تتداخل فيه مكاسب الإنتاجية الكبيرة مع خسائر مؤلمة في الوظائف. فمع تصاعد اعتماد الشركات على تقنيات التعلم الآلي لتعزيز الكفاءة وخفض التكاليف، أصبحت الأتمتة أحد أبرز أسباب تسريح الموظفين، خصوصًا في قطاع التكنولوجيا. ووفقًا لبيانات موقع Layoffs.fyi، جرى تسريح أكثر من 122 ألف موظف تقني منذ بداية العام عبر 257 شركة، من بينهم ما يزيد على 54 ألف وظيفة في الولايات المتحدة ارتبطت مباشرة بتبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي.

من التجربة إلى قلب الاستراتيجية المؤسسية

تعكس هذه الأرقام تحول الذكاء الاصطناعي من أداة تجريبية إلى ركيزة أساسية في قرارات إعادة الهيكلة داخل الشركات. وتشير بيانات Challenger, Gray & Christmas إلى أن إجمالي تسريحات الوظائف في الولايات المتحدة بلغ نحو 1.17 مليون وظيفة خلال 2025، وهو أعلى مستوى منذ عام 2020، مع بروز مبادرات الكفاءة المدفوعة بالذكاء الاصطناعي كعامل رئيسي. كما تُظهر دراسات أكاديمية أن تقنيات الذكاء الاصطناعي قادرة بالفعل على تنفيذ ما يقارب 11.7% من الوظائف الأمريكية، ما يفتح المجال أمام وفورات مالية كبيرة، لكنه يسرّع في المقابل وتيرة الاستغناء عن الأدوار التقليدية.

مايكروسوفت: الذكاء الاصطناعي معيار جديد للأداء

تُجسد مايكروسوفت هذا التحول بوضوح، بعدما نفذت قرابة 15 ألف عملية تسريح خلال 2025. وأكدت قيادة الشركة أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها Copilot، لم يعد خيارًا إضافيًا، بل عنصرًا أساسيًا في تقييم أداء الموظفين. وباتت الرسالة الداخلية واضحة: التكيّف السريع مع الأتمتة شرط للاستمرار، مع دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف المستويات الوظيفية.

أمازون: فرق أصغر ونهج «AI First»

في أمازون، تجاوز عدد الوظائف التي جرى الاستغناء عنها 14 ألف وظيفة هذا العام، شكّل المهندسون نحو 40% منها. وتربط إدارة الشركة هذه الخطوات برؤية طويلة الأمد تضع الذكاء الاصطناعي في صدارة التحول المؤسسي، واصفة إياه بأنه التغيير الأهم منذ ظهور الإنترنت. وتهدف أمازون من خلال الأتمتة إلى تقليص الاعتماد على الوظائف الروتينية، مقابل زيادة الطلب على عدد محدود من الأدوار المتخصصة في تطوير وإدارة الأنظمة الذكية.

سيلزفورس: الخوارزميات تنفذ نصف العمل

أما في سيلزفورس، فقد كان تأثير الذكاء الاصطناعي أكثر مباشرة، إذ أعلنت الشركة الاستغناء عن 4 آلاف وظيفة في قطاع دعم العملاء، مؤكدة أن الأنظمة الذكية باتت تنفذ نحو 50% من حجم العمل. ويعكس هذا التحول نموذجًا تشغيليًا جديدًا يعتمد على عدد أقل من الموظفين مقابل اعتماد أوسع على الخوارزميات.

تداعيات تتجاوز قطاع التكنولوجيا

لا تقتصر موجة التسريحات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي على شركات التكنولوجيا الكبرى، إذ أعلنت مؤسسات مثل أوراكل وCNN ودروب بوكس وWorkday عن خطوات مماثلة، بينما امتد التأثير إلى قطاعات غير تقنية كالأزياء. وتشير توقعات المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن 41% من الشركات حول العالم تتوقع تقليص قوتها العاملة خلال السنوات الخمس المقبلة بسبب الذكاء الاصطناعي. ورغم النمو المتوقع في الطلب على وظائف الذكاء الاصطناعي والبيانات حتى عام 2030، يبدو عام 2025 نقطة تحوّل حاسمة تتقدم فيها الأتمتة بوتيرة أسرع من جهود إعادة تأهيل وتدريب القوى العاملة.

التعليق بواسطة حساب الفيسبوك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى