الأمن السيبراني يتحول إلى معيار نضج للشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

مع تطور مشهد ريادة الأعمال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لم يعد الأمن السيبراني مجرد قضية تقنية تدور خلف الكواليس، بل أصبح بندًا أساسيًا على طاولة نقاشات مجالس الإدارة. فالمستثمرون اليوم لا يكتفون بوعود عامة حول “الأمان”، بل يبحثون عن دلائل ملموسة تثبت أن البنية الرقمية للشركة محصّنة، وأن بياناتها تُدار وفق معايير حماية صارمة.

ولهذا، بات على المؤسسين التعامل مع الأمن السيبراني كرمز للنضج التشغيلي والاحتراف المؤسسي، لا كخطوة مؤجلة إلى ما بعد الإطلاق.

 

تصاعد متطلبات الأمان في عام 2025

 

تشهد الشركات الناشئة في المنطقة ضغوطًا متزايدة للالتزام بمعايير الحماية، سواء من الجهات التنظيمية المحلية — مثل TDRA/NCA في الإمارات وSAMA/NCA في السعودية — أو من المستثمرين العالميين الذين يشترطون تطبيق معايير مثل ISO 27001 وSOC 2 وGDPR.

ولم تعد هذه المعايير مجرد وثائق تُعرض في الاجتماعات، بل تحوّلت إلى التزام عملي يُقاس بالأدلة، مثل:

 

فحص الملفات المشبوهة في بيئات معزولة وآمنة.

 

الاحتفاظ بسجلات الهجمات ومحاولات الاختراق لفترات طويلة.

 

وجود آلية فورية لاكتشاف التهديدات والتعامل معها لحظة وقوعها.

 

حتى وقت قريب، لم يكن الأمن السيبراني جزءًا من أسئلة المستثمرين خلال عمليات التقييم. أما اليوم، فهو معيار أساسي يُقاس به مدى جاهزية الشركة واستقرارها التشغيلي.

 

الفجوة بين التوقعات والواقع

 

رغم إدراك الجميع لأهمية الأمان، ما زالت الفجوة واسعة بين المطلوب والواقع. فكثير من الشركات الناشئة تمتلك منتجات عالمية المستوى لكنها تعمل على بنية رقمية ضعيفة: خوادم متصلة بالشبكة نفسها دون جدران حماية داخلية، وسجلات تُمحى أسبوعيًا، وموظفون يفتحون ملفات مجهولة على أجهزتهم مباشرة.

ومع أن بعض المؤسسين يظنون أن الحماية تحتاج إلى ميزانيات ضخمة أو فرق متخصصة، إلا أن الواقع يثبت أن الوعي والالتزام بالممارسات الصحيحة هما الركيزة الأساسية للأمان.

 

أبرز الهجمات الإلكترونية على الشركات الناشئة

 

تواجه الشركات الناشئة في المنطقة أنواعًا شائعة من الهجمات تشمل:

 

التصيّد الإلكتروني (Phishing): عبر صفحات تسجيل دخول مزيّفة أو روابط فواتير وهمية.

 

البرمجيات الخبيثة (Ransomware, Stealer, Dropper): التي تتسلل بصمت داخل الأنظمة وتتجنب الكشف.

 

احتيال البريد الإلكتروني (BEC): والذي ارتفعت نسبته في الإمارات بنسبة 29٪، مستهدفًا تحويل الأموال أو سرقة البيانات.

وتتميز الهجمات في المنطقة بأنها تركز على تحقيق أرباح مباشرة وسريعة، مستغلة أدوات تجارية منتشرة مثل PrivateLoader وSmokeLoader.

 

جذور المشكلة في المراحل الأولى

 

أكثر الأخطاء شيوعًا بين المؤسسين هو اعتبار الأمن السيبراني “رفاهية مؤجلة”، رغم أن الهجمات غالبًا ما تبدأ بعد أيام من إطلاق المنتج. كما أن الديون الأمنية تتراكم مثل الديون التقنية — كلما تأخّر التعامل معها، ارتفعت كلفتها المادية والمعنوية.

ويزداد اهتمام المستثمرين في المراحل المبكرة بطلب تقارير أمنية وملفات فحص قبل ضخ التمويل، إذ إن التعامل مع بيانات المستخدمين يجعل أي شركة هدفًا محتملًا للهجمات، مهما كان حجمها.

 

أخطاء أمنية متكرّرة

 

تشغيل بيئات التطوير والإنتاج على الشبكة نفسها دون فصل داخلي.

 

استخدام كلمات مرور ضعيفة أو مكرّرة حتى مع تفعيل المصادقة الثنائية.

 

الاعتماد المفرط على برامج مكافحة الفيروسات دون فحص مسبق للملفات.

 

ضعف الوعي بخدع الهندسة الاجتماعية والتصيّد عبر البريد أو تطبيقات التواصل.

 

إهمال مراجعة أمان مزوّدي الخدمات والأدوات الخارجية.

 

إحدى الثغرات غير الملحوظة هي غياب بيئة آمنة لاختبار الملفات المشبوهة، رغم توفر أدوات بسيطة على المتصفح يمكنها تجنّب كوارث أمنية كاملة.

 

خطوات عملية لتعزيز الأمان في الفرق الصغيرة

 

حتى من دون وجود قسم أمني متخصّص، يمكن للشركات الناشئة رفع مستوى الحماية من خلال:

 

الاستعانة بخدمات الأمن كخدمة (SOC-as-a-Service) لمراقبة الأنظمة والاستجابة للحوادث بتكلفة منخفضة.

 

إدارة الهوية والصلاحيات باستخدام أدوات مثل Okta وGoogle Workspace وTailscale.

 

استخدام أدوات الفحص والتحليل عبر المتصفح لرصد الملفات الضارة والروابط الخبيثة فورًا.

 

دمج فحوصات الأمان في خطوط التطوير (CI/CD) لاكتشاف الثغرات في المراحل المبكرة.

 

الاستعانة بخبراء مستقلين أو CISO جزئي لتوجيه الفريق ووضع السياسات الصحيحة.

 

توثيق هذه الإجراءات في ورقة مختصرة تُبرز بنية الأمان داخل الشركة يعزّز ثقة المستثمرين ويُظهر احترافية الفريق.

 

خمس خطوات لتأسيس بيئة أمان متينة

 

ابدأ بالهوية: فعّل المصادقة المتعددة وتجنّب الحسابات المشتركة باستخدام أدوات إدارة كلمات المرور.

 

افصل البيئات: أنشئ شبكات مستقلة لبيئات التطوير والإنتاج بحدود صلاحيات واضحة.

 

استخدم بيئة اختبار (Sandbox): لفحص الملفات والروابط قبل تشغيلها.

 

سجّل الأحداث: احتفظ بالسجلات الأمنية لمدة لا تقل عن 30 يومًا باستخدام أنظمة مثل Wazuh SIEM.

 

اختبر العنصر البشري: نفّذ تدريبات دورية لمحاكاة هجمات التصيّد وتعزيز الوعي الأمني داخل الفريق.

 

إن بناء ثقافة أمان حقيقية لا يحمي الشركات الناشئة من الاختراقات فحسب، بل يمنحها ميزة تنافسية وثقة أكبر أمام المستخدمين والمستثمرين على حد سواء، ما يسرّع نموها ويعزز استدامتها في سوق يزداد ترابطًا وتعرضًا للمخاطر الرقمية يومًا بعد يوم.

بالتعاون مع JODDB .. رابطة نساء الشرق الأوسط للأمن السيبراني “الفرع الأردني” تعقد اجتماعها الأول في عمّان

التعليق بواسطة حساب الفيسبوك
Exit mobile version