
شهد شهر أبريل 2025 انطلاق العمليات الرسمية لشركة تسلا في المملكة العربية السعودية، في خطوة استراتيجية طال انتظارها، تعكس سعي الشركة لتوسيع حضورها في أسواق جديدة، واستجابتها لتزايد الاهتمام المحلي بالسيارات الكهربائية.
وقد أعلنت تسلا عن استراتيجيتها لدخول السوق السعودي، والتي تشمل إتاحة شراء سياراتها مباشرة عبر الإنترنت، وافتتاح صالات عرض تفاعلية في المواقع الحيوية والمراكز التجارية الكبرى لعرض أحدث طرازاتها، إلى جانب الشروع في إنشاء شبكة شحن متطورة تضمن سهولة التنقل، وتأسيس مراكز صيانة وخدمة متخصصة لدعم العملاء وخدمات ما بعد البيع.
وأكدت الشركة أنها ستطرح شاحنتها الكهربائية Cybertruck للمرة الأولى خارج أمريكا الشمالية، في السعودية إلى جانب الإمارات وقطر، على أن تبدأ عمليات التسليم أواخر عام 2025، وفق ما ورد في موقع تسلا الرسمي.
تأتي هذه الخطوة التوسعية في وقت تواجه فيه تسلا تحديات عالمية، أبرزها تباطؤ النمو وتزايد المنافسة في الأسواق الرئيسية. في المقابل، تنسجم هذه الانطلاقة مع رؤية السعودية الطموحة لتوطين صناعة السيارات الكهربائية، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ضمن أهداف رؤية المملكة 2030.
غير أن السوق المحلي يشهد منافسة حادة من شركات تتمتع بدعم محلي أو حضور عالمي قوي، مثل شركة لوسيد التي تحظى باستثمارات كبيرة من صندوق الاستثمارات العامة، وافتتحت أول منشأة لتصنيع السيارات في المملكة في سبتمبر 2023، إضافة إلى شركة سير، أول علامة تجارية سعودية في هذا القطاع، وهي ثمرة شراكة بين صندوق الاستثمارات وفوكسكون. كما تشكل شركة BYD الصينية تهديدًا حقيقيًا لتسلا، بعدما تصدّرت المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية.
ويدور نقاش واسع حول قدرة تسلا على المنافسة بفعالية داخل هذا السوق النشط والمزدحم، خصوصًا أن دخولها جاء متأخرًا مقارنة بمنافسيها، ويربط البعض هذا التأخر بخلاف سابق بين إيلون ماسك ومحافظ صندوق الاستثمارات العامة في عام 2018، بشأن صفقة استثمارية لم تُستكمل، ونتج عنها لاحقًا استثمار الصندوق في لوسيد، التي أصبحت منافسًا مباشرًا لتسلا في الفئة الفاخرة.
خلال السنوات الأخيرة، تغيرت الكثير من المعطيات. فقد واجهت تسلا ضغوطًا متزايدة في سوقها الأم نتيجة مواقف ماسك المثيرة للجدل سياسيًا، مما انعكس على سمعة الشركة ومبيعاتها، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة، حيث تراجعت قيمة الشركة السوقية وتعرضت لهجمات احتجاجية.
أما شاحنة Cybertruck، فقد خيّبت التوقعات، إذ لم تتجاوز مبيعاتها 6,406 وحدة في الربع الأول من 2025، مقارنة بـ12,991 وحدة في الربع الرابع من 2024. وتشير تقارير إلى أن الشركة خفّضت أهداف الإنتاج في مصنعها بتكساس، رغم أنها سجلت 1.5 مليون حجز مسبق سابقًا، ما يثير تساؤلات حول مستقبل هذا الطراز.
مع هذه التحديات، تبدو السوق السعودية فرصة استراتيجية لتسلا، إذ تصنف كأكبر سوق سيارات في العالم العربي من حيث المبيعات، ومن المتوقع أن ينمو القطاع بمعدل 12% سنويًا حتى 2030، مدعومًا بالاستثمارات في التصنيع المحلي وحلول التنقل المستدام.
وتطمح العاصمة الرياض إلى أن تكون نموذجًا للتحول، إذ أعلنت الهيئة الملكية للمدينة أن 30% من السيارات بحلول 2030 ستكون كهربائية، ضمن خطة لخفض الانبعاثات إلى النصف. كما أشار استطلاع أجرته شركة AlixPartners إلى أن 70% من السعوديين مهتمون بالتحول نحو السيارات الكهربائية، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 85% بحلول عام 2035.
هذا الزخم يشكل فرصة ذهبية لتسلا لبناء حضور قوي في المنطقة، خصوصًا مع تراجع الحماس في الأسواق التقليدية. إلا أن الدخول المتأخر والمنافسة الشرسة، لا سيما من BYD، ووجود علامات محلية بدعم حكومي، يجعل من نجاح تسلا في السوق السعودية تحديًا حقيقيًا يتطلب تكيفًا سريعًا واستراتيجية مدروسة.