كيف يغير الميتافيرس الهويات والأسواق في العالم؟

تداعيات اجتماعية ومشاكل مرتبطة بالأطر القانونية والتنظيمية لهذا العالم الافتراضى الفوضوى

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتبة جيدا أبوالفتوح تناولت فيه أنه في مقابل الفرص العديدة التى يوفرها عالم الميتافيرس يطرح العديد من التساؤلات القانونية، مما يلزم العمل حاليا لإيجاد حلول لتلك التساؤلات لتنظيم عمل هذا العالم الافتراضى وتجنيب البشرية مخاطره قدر الإمكان.. نعرض من المقال ما يلى.

بشكل عام، يعتبر الميتافيرس شكلا من أشكال الفضاء السيبرانى، يسمح للمستخدمين بالدخول فى تجربة مرتكزة على الذكاء الاصطناعى، تمكنهم من تشكيل عالم افتراضى والانخراط فيه ومحاكاة الحياة الواقعية.

وقد تصاعد فى الآونة الأخيرة الاهتمام بالتفاعلات الافتراضية المرتكزة على الميتافيرس، وأعلنت العديد من الشركات الكبرى بمجال الإعلان عن عدة مبادرات فى هذا المجال الجديد، وقامت شركة فيسبوك بدمج مصطلح «ميتا» لعلامتها التجارية لتعكس تصور مارك زوكربيرج، مؤسس فيس بوك، بهيمنة الميتافيرس على الموجة التالية من التكنولوجيا.

وفى مقابل هذا التطور والنمو السريع والثورى فى تكنولوجيا الميتافيرس، ظهرت بعض الممارسات التى تشير لثمة تداعيات اجتماعية ومشاكل مرتبطة بالأطر القانونية والتنظيمية لهذا العالم الافتراضى الفوضوى. ويتناول المقال الحالى التبعات القانونية المحتملة فى حال تطور الـميتافيرس، ويستعرض أهمية الحاجة لوضع قوانين ولوائح تحكم هذه التكنولوجيا الرقمية الرائدة الجديدة.

تجمع تكنولوجيا الميتافيرس بين عناصر الإنترنت التقليدى، ووسائل التواصل الاجتماعى وألعاب الإنترنت من جانب، وبين الأنشطة الترفيهية الأخرى من جانب آخر، حيث باستطاعتها أن تجمع كل هذا معا فى بيئات متزامنة، بحيث يتمكن المستخدمون من قضاء وقت كامل داخل عالم افتراضى، يمكنهم من المشاركة فى الأنشطة الترفيهية، وإجراء المعاملات التجارية.. فى آن واحد.

ففى القريب العاجل سوف يقتحم هذا العالم الرقمى الجديد حياتنا اليومية، ليس فقط فى مجالى الاستثمار والأعمال الحرة ولكن فى مجالات الرعاية الصحية والتعليم كذلك، بل وسيكون له أكبر الأثر أيضا على تحركاتنا، وخصوصياتنا، وتفاعلاتنا الاجتماعية، بل وحتى أمننا.

ــ الهوية البديلة

يؤسس مستخدمو ميتافيرس هوية رقمية افتراضية خاصة بهم، يتفاعلون من خلالها مع الآخرين سواءً داخل دوائرهم من الأصدقاء أو من خارجها مع كيانات افتراضية ذكية. وبالنسبة للبعض، فإن هذه الهوية الافتراضية تمنحهم الفرصة للكشف عن أجزاء من شخصياتهم أو ما تنطوى عليه أنفسهم من أبعاد لم يكونوا قادرين على إظهارها من قبل فى إطار العالم الواقعى. فى المقابل أعطى الميتافيرس للكثيرين قدرا عظيما من الثقة، حيث يتخفى وراء الهوية الافتراضية الجديدة التى صممها بنفسه لتعبر عن كامل مكنونات الشخصية بأبعادها المظلمة فى بعض الأحيان، بينما يتراجع مستوى ثقة الفرد فى شخصيته وهويته الواقعية لدرجة أنها أصبحت الهوية الثانوية فى كثير من الحالات.

إن كثرة التفاعل الافتراضى يؤدى إلى قطع اتصال المستخدم بالعالم الحقيقى، وإضعاف أو حجب شعوره بما حوله من أحداث، مما يؤثر ليس فقط على السلوك الاجتماعى للمستخدم بل وعلى صحته العقلية والنفسية كذلك. وتؤدى كل هذه التداعيات السلبية للميتافيرس إلى تساؤل مهم حول كيفية تنظيم آليات استخدامه؟.

ــ الجريمة والعقاب

نظرا للطبيعة الثورية لهذا الفضاء الرقمى الجديد الذى يحاكى الحياة الواقعية بأركانها كافة، فإن أى خطأ قد يرتكب فى العالم الواقعى يمكن وقوعه أيضا فى عالم الميتافيرس الافتراضى. ومن هنا يأتى التساؤل: هل سيكون من الممكن فى حوادث الاعتداء، على سبيل المثال، داخل هذا الفضاء الرقمى، إدانة الهوية الرمزية وجعلها مسئولة عما تأتيه من أفعال فى عالم الميتافيرس؟

«سيكون هذا معقدا للغاية؛ لأنه يعنى أننا بحاجة إلى إسناد هوية قانونية للشخصية الرمزية، ومنحها حقوقا وواجبات داخل نظام قانونى يسمح لها برفع دعوى قضائية أو بأن يرفع ضدها دعوى كذلك».

وهناك تساؤل آخر كذلك، وهو عن كيفية إثبات وقوع جريمة ما فى عالم الميتافيرس، ففى عالمنا الحقيقى يكون الضرر الجسدى الفعلى عنصرا من عناصر إثبات الفعل. بينما فى عالم الميتافيرس سيكون من الصعب إثبات وقوع الخسارة أو الضرر أو الإصابة التى لحقت بالهوية الرمزية.

وهكذا فيبدو أن جرائم العالم الحقيقى ستتبع البشرية إلى الفضاء الرقمى الجديد أيضا. ومن هنا تأتى الحاجة الملحة إلى وضع مجموعة من القواعد واللوائح والتى من شأنها أن تساعد فى تقليل مخاطر وقوع مثل هذه الجرائم والتحكم بمثل هذه الأفعال.

نظرا للطبيعة اللا مركزية للميتافيرس، فلن تكون هناك حدود أو حواجز عندما يتعلق الأمر بشراء وبيع السلع والخدمات. وبالتالى فستوفر هذه الطبيعة اللا مركزية فرصا رائعة للشركات للوصول إلى أسواق جديدة. غير أن كيفية تنظيم هذه الأسواق سيحتاج إلى مزيد من النظر.

ــ تنظيم الأصول الافتراضية

بشكل عام يتم تحقيق الدخل فى هذا الفضاء الرقمى الجديد وفى معاملاته من خلال استخدام العملة المشفرة أو ما يسمى بـ «إن إف تى NFT» أى الرموز المميزة غير القابلة للاستبدال. وتعتبر الرموز غير القابلة للاستبدال هى أصول رقمية فريدة، وقد تكون أى عمل فنى أو موسيقى أو مرئى رقمى أو أى نوع آخر من الأصول الإبداعية الرقمية. فهى هى عبارة عن خط من الرموز على البلوكتشين ينسب ملكية أحد الأصول إلى شخص ما.

وفى هذا الفضاء الرقمى ما يحصل عليه المشترى هو الحق فى عرض الأصل الرقمى، ومع ذلك فلا يوجد حتى الآن قول قانونى فصل بشأن ما إذا كانت الرموز غير القابلة للاستبدال ترقى كدليل على ملكية نسخة رقمية من الأصل الحقيقى أم لا.

وأحد الاعتبارات القانونية الرئيسية حاليا بخصوص تلك الرموز هو عدم وضوح كيفية تطبيق القوانين الحالية عليها، أى إذا ما كان سيتم التعامل معها على أنها أوراق مالية أو سلع أو ما شابه. وهذا سيجعل من الصعب على المستثمرين توضيح حقوقهم والتزاماتهم، مما يمكن أن يؤدى بدوره فى كثير من الحالات إلى ألغاز قانونية.

ــ العقود

وبالنسبة لفكرة العقود فى عالم الميتافيرس فستبنى على أساس القواعد المشفرة فيما يسمى بـ«العقود الذكية». وهى أكواد رقمية مبرمجة تعمل على البلوكتشين، وتقوم بإنجاز العمليات ميكانيكيا وتضمن إتمام التجارة والمعاملات وفقا لقواعد محددة مسبقا. وكذلك يمكن تعريف عقود الميتافيرس على أنها مجموعة من القواعد التى تتحكم فى استخدام الرموز غير القابلة للاستبدال، والتى تستخدم أيضا لتسهيل عمليات بيع وشراء الممتلكات الافتراضية. ومع ذلك، فإن هذه العقود ليست مرنة أو قابلة للتعديل كما قد يظن البعض.

ونظرا لأن هذا العالم الرقمى جديد، فالكثير من المستخدمين غير ملمين بإطار عمل العقود الذكية، مما دفع العديد من المحتالين لاستغلال الموقف والقيام بإنشاء روابط مزيفة. وبمجرد تنشيط هذه الروابط، يتمكن المحتال من الوصول إلى المحفظة الافتراضية للمستهلك ويمكنه كذلك من خلال العقد الذكى نقل محتويات المحافظ.

ومن هنا وجب وضع نظام قانونى يحكم هذا الفضاء الرقمى، والذى من شأنه أن يدمج معاملات وأنشطة الميتافيرس، وأيضا لا بد من توفير هيئات حكومية تتمثل فى سلطات مالية تكون قادرة على الإشراف على المعاملات عبر فضاء الميتافيرس.

تمثل حماية خصوصية البيانات بعدا قانونيا آخر من الأبعاد التى لا بد من إيجاد حل لها كنتيجة لانتشار الميتافيرس. فمع ازدهار هذه الفضاء الرقمى الجديد، ستكشف للجميع أنواعا جديدة من بياناتنا الشخصية مثل تعابير الوجه، والإيماءات واللفتات الحركية، والكثير من ردود الفعل للهوية الرمزية.

فمثلا بينما اعتاد المستخدمون على مشاركة بعض المعلومات الشخصية عند إنشاء حساباتهم عبر الفضاء الإلكترونى، فسيتطلب الميتافيرس مجموعة أكثر خصوصية من البيانات الشخصية، مثل بعض البيانات العاطفية والفسيولوجية.

بالإضافة إلى الكشف عن الكثير من البيانات الخاصة عبر فضاء الميتافيرس، فإنه عندما يتم تشغيل الميتافيرس الواحد بواسطة كيانات متعددة، فسوف يستلزم ذلك معايير توافق التشغيل البينى. وكنتيجة لذلك فستكون بيانات المستخدم عرضة لخطر الاستغلال بسبب وجود بعض نقاط الضعف التى لا يمكن تجنبها عندما يتم نقل البيانات والمعلومات من تطبيق لآخر. ومن ثم «فسيحتاج مسئولو المنصات إلى اتفاقيات واسعة النطاق لضبط عمليات نقل البيانات، والمعايير الأمنية للمعلومات، والمسئولية عن الامتثال».

نستطيع أن نستخلص من كل ما سبق عرضه أنه بينما يوفر الميتافيرس مجموعة مذهلة من الفرص إلا أنه يتسبب فى الوقت نفسه فى ظهور مجموعة جديدة من القضايا القانونية والتى لم تكن موجودة من قبل ولا بد من العمل على إيجاد حل لها. وكبداية فيمكن من أجل التغلب على هذه المشاكل القانونية استمداد قوانين ولوائح هذا الفضاء الرقمى الجديد من القوانين المعمول بها بالفعل فى الدول التى تحوى منصات الميتافيرس. وفى الغالب ستكون هذه القوانين واللوائح على غرار التنظيمات واللوائح التى تعمل بها منصات التواصل الاجتماعى ومحركات البحث حاليا. غير أن منصات الإنترنت السائدة اليوم محدودة المدى والمجال بالمقارنة بما تهدف الميتافيرس للوصول إليه.

التعليق بواسطة حساب الفيسبوك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى