الجيل الثالث للويب Web 3.0 .. كل ما تريده معرفته
إنخفاض هائل في عمليات الاختراق والسرقات لأن البيانات ستكون لامركزية وموزعة
انتقلت في الآونة الأخيرة السيطرة على شبكة الإنترنت العالمية والبيانات الشخصية للمستخدمين بشكل كامل تقريبًا إلى أيدي العديد من الشركات الكبرى، ولكن مع ظهور الجيل الثالث للويب Web 3.0 الذي يحمل مفهوم جديد وهو اللامركزية لشبكة الويب سيتم تصحيح هذا الوضع وجلب تغييرات شاملة إلى المجال بأكمله، وعلاوة على ذلك فإن هذه الفكرة لديها مؤيدون بالفعل بين منشئي الإنترنت، لذلك سنحاول فهم ما هو أساس مصطلح لجيل الثالث للويب Web 3.0 وما هي الاختلافات التي تُميزه عن سابقيه الجيل الأول والثاني Web 2.0 وWeb 1.0؟
بدايةً مع ظهور الجيل الأول للويب Web 1.0، كانت شبكة الإنترنت العالمية تُعرف بإنها مجرد مجموعة من مواقع الويب المزودة بكم من المعلومات الثابتة وليس بها محتوى تفاعلي، الاتصال يعني الاتصال الهاتفي من خلال أجهزة مودم Modems متهالكة ومنع أي شخص في المنزل من استخدام الهاتف خلال الاتصال بالشبكة، كانت شبكة غرف الدردشة AOL وMSN messenger، ومحرك البحث ألتافيستا AltaVista ومحرك Ask Jeeves يعانون من بطء شديد، أما بالنسبة لتشغيل مقاطع الفيديو والموسيقى فذلك كان خيالًا حيث أن تنزيل أغنية ما كان يستغرق يومًا كاملًا على الأقل.
ظهور الجيل الثاني للويب Web 2.0 والذي تميز بالمحتوى التفاعلي:
تَنبأ تيم أورايلي Tim O’Reilly في عام 2005 بتطوير العديد من المواقع التي ستتحد ببعض المبادئ العامة مع الاتجاه نحو التفاعلية لتيسير التعاون والتواصل الاجتماعي بين مستخدمي الإنترنت، وفي وقت لاحق كانت تُسمى هذه الظاهرة الجيل الثاني للويب Web 2.0.
ومن السمات المميزة لـ Web 2.0 جذب عدد كبير من المستخدمين لإدخال وتبادل أنواع مختلفة من المعلومات في نفس الوقت، وكل هذا التبادل العالمي لتدفقات المعلومات يحدث بسرعة هائلة، هذه هي الطريقة التي تم بها تطوير أنواع مختلفة من الشبكات الاجتماعية، ومنصات المدونات، ومشاريع ويكي wiki-projects، والأكثر شعبية منها هي ويكيبيديا وفليكر وفيسبوك وتويتر.
الإنترنت لم يعد مُقتصرًا على المشاهدة فقط، بل أصبح يَتسم بالمشاركة
بمرور الوقت والمحاولات تطورت ذاكرة أجهزة المودم وتغييرت الواجهات المُملة بشكل كبير، ومهدت سرعات الإنترنت الأعلى الطريق للمحتوى التفاعلي، حيث لم يَعد الإنترنت مُقتصرًا على المشاهدة فقط، بل أصبح يَتسم بالمشاركة. وبناء عليه ساعدت مشاركة المعلومات في ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وأعطى كل من يوتيوب وويكيبيديا وفليكر Flickr ثم فيسبوك أصواتًا لمن لا صوت لهم ووسيلة لتزدهر المجتمعات ذات التفكير المماثل.
من الأمثلة المهمة لنا على مدى أهمية الجيل الثاني للويب Web 2.0 أن نشر هذا المقال على موقعنا اليوم سيستغرق 30 ثانية فقط من الوقت، وهو تحسن جاء نتيجة للوقت والمجهود المبذول من المصممين والمطورين المختصين بتطوير مواقع إدارة المحتوى، يمكننا تسميته حقبة “القراءة والكتابة والنشر Read-Write-Publish” – حيث أن انتشار المعلومات أصبح أمرًا بسيطًا للغاية، لذلك سنجد هنا سؤال يَطرح نفسه، الجيل الثاني للويب Web 2.0 رائع، إذًا ما الخطأ الذي حدث ليظهر له بديل؟
المعلومات هي المال:
تم تصميم الجيل الثالث للويب Web 3.0 ليس لاستبدال الجيل الثاني وإنما لتحسين عيوبه وإصلاح نقاط الضعف به، فحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم من 738 مليون مُستخدم عام 2000 إلى 3.2 مليار مُستخدم عام 2015، لذلك أدركت الشركات الرقمية الكبرى أن المعلومات الشخصية للمستخدمين هي أصول قيمة للغاية، ومن هنا بدأ التخزين الشامل للبيانات في الخوادم المركزية، مثلما تفعل كبرى شركات التقنية مثل أمازون، ومايكرسوفت وفيسبوك وتويتر، ومن هنا ظهرت التهديدات الأمنية باختراق خصوصية المستخدمين من أجل زيادة مكاسب هذه الخدمات، سواء كان المستخدمين يعرفون ذلك أم لا، فقد تم بيع هوياتهم وعادات التصفح وعمليات البحث ومعلومات التسوق عبر الإنترنت الخاصة بهم لمن يدفع أعلى سعر.
ثورة الجيل الثالث للويب web 3.0:
بوصول الجيل الثاني للويب Web 2.0 لهذه المرحلة أصبح المستخدمين يحلمون ببديل، لذلك فإن الشبكة التالية المتصورة Web 3.0، ستأخذنا بالحنين إلى مبدأ عمل Web 1.0 مع تطوير ومعالجة عيوب Web 2.0 حيث المزيد من تحكم المستخدم والمزيد من الخصوصية، فبدلا من تركيز القوة – وهي البيانات – في أيدي الشركات مع دوافع مشكوك فيها، سوف يكون المتحكم الوحيد في هذه البيانات هم المستخدمون أنفسهم.
يعود تاريخ إنشاء صفحة ويب أكثر إنصافًا وشفافية إلى عام 2006 تقريبًا، ولكن الأدوات والتقنيات لم تكن متاحة حتى تتحقق. ظهر بعد ذلك بثلاث سنوات مصطلح بيتكوين Bitcoin، مما جلب معه فكرة الدفتر الأستاذ الموزع Distributed Ledger – أحد السجلات المحاسبية الأساسية -، أو البلوك تشين Blockchain للتخزين الرقمي من نظير إلى نظير Peer-to-Peer digital storage، لتُصبح اللامركزية هي الفكرة والبلوك تشين هي أساسها، والآن لدينا ما يوصف بأن الإنترنت محوره هو الإنسان Human-Centered Internet.
شبكة الإنترنت المؤيدة للخصوصية والمضادة للاحتكار
من السهل تصور مستقبل غير بعيد حيث تنتشر على نطاق واسع الهواتف المستندة إلى التشفير، والشبكات الافتراضية الخاصة VPN، والتخزين اللامركزي decentralized storage، ومحافظ العملات المُشفرة cryptocurrency wallets دون الحاجة إلى مزودي الشبكة الذين يسجلون معلوماتنا. إذا أردنا تجنب اختراق الخصوصية فإن هذه هي الأدوات التي نحتاجها، وهذا عدد من المزايا التي يقدمها Web 3.0:
لا توجد نقطة مركزية للتحكم: سيتم إزالة الطرف الثالث من المعادلة، حيث تقدم تقنيات بلوك تشين blockchains مثل إيثريوم Ethereum -منصة ذو ثقة أكبر – قواعد غير قابلة للكسر حيث يتم تشفير البيانات بشكل كامل. لم يعد بإمكان شركات مثل ألفابت المالكة لشركة جوجل وآبل التحكم في بيانات المستخدم، لن يكون لدى أي حكومة أو كيان القدرة على إيقاف المواقع والخدمات؛ ولا يمكن لأي فرد أن يتحكم في هويات الآخرين.
ملكية البيانات Ownership of data: سيستعيد المستخدمون التحكم الكامل في البيانات ويحظون بأمان التشفير، يمكن بعد ذلك مشاركة المعلومات على أساس كل حالة على حدة وعلى أساس إذن يُمنح من مالك البيانات permissioned basis، في الوقت الحاضر تمتلك الشركات الكبيرة مثل أمازون Amazon وفيسبوك خوادم تقوم بتخزين المعلومات حول التفضيلات الغذائية، الدخل، الاهتمامات، تفاصيل بطاقة الائتمان والمزيد، ولا يقتصر الأمر على تحسين خدماتهم فقط حيث يدفع المسوقون والمعلنون المليارات سنويًا مقابل الحصول على هذه البيانات.
البيانات ستكون لامركزية وموزعة
إنخفاض هائل في عمليات الاختراقات وخروقات البيانات: نظرًا لأن البيانات ستكون لامركزية وموزعة، سيحتاج القراصنة إلى إيقاف الشبكة بالكامل، بينما ستصبح الأدوات التي ترعاها الدولة مثل Vault7 – التي كشفتها تسريبات ويكيليكس العام الماضي – قديمة.
في الوقت الحاضر تضطر شركات الإنترنت أحيانًا إلى تسليم بيانات المستخدم أو الخضوع إلى فحص قاعدة البيانات بأكملها، حيث أن الإطلاع على البيانات لا يقتصر فقط على التهديدات الأمنية الرئيسية مثل الإرهاب، ففي عام 2017 أمرت المحكمة الفيدرالية في ولاية كاليفورنيا شركة كوينباس CoinBase لتبادل العملات الرقمية – هي الأكبر من حيث عدد المستخدمين في الولايات المتحدة – بتسليم سجلات أكثر من 15000 عميل، استجابة للقضية التي رفعتها دائرة الإيرادات الداخلية الأمريكية التي تعرف باسم IRS.
تقليل التكلفة التي يتم إنفاقها على معالجة عمليات الاختراق
وقد مهدت القضية التي خسرتها شركة كوينباس Coinbase في نهاية المطاف الطريق أمام الكيانات الحكومية للإطلاع على السجلات المالية لآلاف العملاء، مع عدم وجود سبب كافٍ لتبرير هذا الأمر، وهناك حالات أخرى ففي عام 2013، اختار مزود خدمة البريد الإلكتروني المُشفر Lavabit التوقف عن العمل بدلاً من تسليم مفاتيح SSL الخاصة به إلى حكومة الولايات المتحدة التي كانت تريد مراقبة إدوارد سنودن Edward Snowden.
بالإضافة إلى كل ذلك سيؤدي إلى تقليل التكلفة التي يتم إنفاقها على معالجة عمليات الاختراق التي تحدث بشكل مستمر خلال هذه الأيام، حيث من المتوقع أن تتجاوز تكلفة عمليات الاختراق 2.1 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2019.
التوافق التشغيلي Interoperability: ستكون التطبيقات سهلة التخصيص ويمكنها العمل على أنظمة تشغيل مختلفة دون الحاجة إلى متطلبات خاصة، بالإضافة إلى قدرتها على العمل على الهواتف الذكية وأجهزة التلفزيون والسيارات وأجهزة الميكروويف وأجهزة الاستشعار الذكية، ففي الوقت الحاضر ترتبط التطبيقات بنظام تشغيل محدد وغالبًا ما تقتصر في عملها على نظام تشغيل واحد، على سبيل المثال العديد من محافظ العملات الرقمية cryptocurrency wallets الموجودة على نظام أندرويد غير متاحة على نظام آي أو إس iOS، مما يتسبب في إحباط العملاء الذين يستخدمون أجهزة متعددة ويضيف نفقات للمطورين المكلفين بإنشاء أكثر من إصدار للتطبيق الواحد بالإضافة للتحديثات المستقبلية.
بلوك تشين بدون أذونات Permissionless blockchains: يمكن لأي شخص إنشاء عنوان والتفاعل مع الشبكة، لن يكون هناك أذونات مبالغ فيها حيث لن يتم حظر المستخدمين على حسب موقعهم الجغرافي أو الدخل أو الجنس أو التوجه أو أي مجموعة أخرى من العوامل الاجتماعية والديموغرافية، كما يمكن نقل الثروة والأصول الرقمية الأخرى عبر الحدود بسرعة وكفاءة في أي مكان في العالم.
خدمة بلا إنقطاع Uninterrupted service: تم تخفيض تعليق الحساب والحرمان من الخدمة الموزعة بشكل كبير، نظرًا لعدم وجود نقطة واحدة تتسبب في توقف النظام بأكمله عن العمل عند حدوث أي خلل بها، لذلك سيكون انقطاع الخدمة ضئيلاً للغاية. كما سيتم تخزين البيانات على العقد الموزعة distributed nodes لضمان التكرار وستؤدي النسخ الاحتياطية المتعددة إلى عدم حدوث عطل في الخادم أو الاستيلاء عليه.
كيف سيعمل الجيل الثالث للويب Web 3.0؟
للوصول إلى الشبكة الإنترنت اللامركزية decentralized web سيكون هناك حاجة إلى وسيلة فعالة لتُمكن المُستخدم من التفاعل مع التطبيقات اللامركزية dApps والخدمات الأخرى، وسيظل الأفراد يستخدمون متصفحات الويب للوصول إلى الإنترنت، وبشكل عام سيكون Web 3.0 سهل الاستخدام.
ظاهريًا سيكون منحنى التعلم والانتقال من Web 2.0 إلى Web 3.0 لطيفًا، لكن خلف الكواليس سيختلف الإطار الذي يربط المستخدمين بالخدمات الرقمية بشكل ملحوظ، حيث سيتم إجراء المعاملات المالية – عمليات البيع والشراء – والتحقق منها يدويًا، لمنع المنصات من تسجيل والاحتفاظ بالبيانات الشخصية دون سبب مقنع.
- بدلًا من جوجل درايف Google Drive أو دروبوكس Dropbox، ستجد خدمات أخرى مثل Storj أو Siacoin أو Filecoin أو تقنية IPFS لتوزيع الملفات وتخزينها
- بدلًا من سكايب ستجد منصات مثل Experty.io
- بدلًا من تطبيقات المراسلة الفورية مثل واتساب ووي شات Wechat ستجد Status
- بدلًا من أنظمة التشغيل الأجهزة المحمولة الحالية أندرويد Android وآي أو إس iOS، ستجد منصات برمجية لتطبيقات الإنترنت مثل Essentia.one و EOS والتي تُعد بوابة للويب الجديد
- سيلعب Akasha أو Steemit دور فيسبوك وتويتر، وسيعمل متصفح Brave بدلًا من متصفح كروم Chrome ويمكن استخدام Ethlance بديلًا لموقع Upwork
هذه أمثلة قليلة للمنصات والمواقع البديلة، ولكن مع وصول الجيل الثالث للويب للعمل، ستظهر منصات جديدة بمستوى أقوى في المنافسة ولن يتم التحكم فيها من قبل مقدمو الخدمات الاحتكارية، ومن المتوقع أن تكون من أفضل التطبيقات اللامركزية dApps والخدمات اللامركزية التي سنستخدمها بعد ثلاث سنوات من الآن.
صاحب المفتاح الخاص هو المالك الحقيقي للبيانات وليس الكمبيوتر
في الوقت الحاضر تنتشر التطبيقات اللامركزية، والمحافظ Wallets، والمنصات Platforms، وغيرها من الأصول الرقمية التي تتكون منها شبكة الويب 3.0. الوصول إلى هذه الواجهات يستدعي تسجيلات الدخول وهويات تُشبه إلى حد كبير الويب 2.0 الذي يتم العمل به حاليًا، وباستخدام تقنية بلوك تشين Blockchain، سيمكنك المستخدم من تخزين بياناته عبر الإنترنت دون الحاجة إلى خوادم مركزية. فمن خلال البلوك تشين سيتم نسخ كل سجل على العديد من أجهزة الكمبيوتر وربطه بزوج من مفاتيح التشفير أحدهما عام والآخر خاص، وسيكون صاحب المفتاح الخاص هو المالك الحقيقي للبيانات وليس أجهزة الكمبيوتر التي تخزنها.
مثلما لم يقم Web 2.0 بإيقاف العمل بـ Web 1.0 تلقائيًا، فإن الانتقال إلى 3.0 Web سيستغرق وقتًا وتكاملًا مع الأنظمة الموجودة على الإنترنت. وقد تم بالفعل بدء العمل به حيث أننا تجاوزنا نقطة اللاعودة.