تعرف على إنترنت الحواس: التقنية التي ستجعلك تعيش التجربة بدلاً من مشاهدتها
تعرف على إنترنت الحواس: التقنية التي ستجعلك تعيش التجربة بدلاً من مشاهدتها ، من المعروف أننا كبشر كائنات بصرية من حيث كوننا نعتمد على العيون للحصول على المعلومات عن محيطنا وإدراكه. وعلى مدى العقود الماضية كنا قد أتقنا استغلال هذا الاتجاه لدينا لخلق تجارب مميزة تجعلنا ننفصل عن واقعنا ولو جزئياً عند مشاهدة الأفلام أو المسلسلات وبالطبع الألعاب وبالأخص في الواقع الافتراضي والمعزز. لكن وعلى الرغم من كل التقدم الذي حققناه في المجال البصري والسمعي، لا نزال محدودين في الواقع من حيث محاكاة بعض الحواس.
إقرأ المزيد : كيفية تغيير متصفحك الافتراضي على موبايلك الأندرويد
على الرغم من أهمية البصر والسمع لنا، فهما ليسا كافيين وحدهما لتقديم التجربة المتكاملة التي نطمح لتحقيقها. وللوصول إلى المستوى المطلوب من التجربة الغامرة سيكون من الضروري تحفيز بقية حواسنا سواء كانت الواضحة مثل الشم والتذوق، أو حتى تلك الأصعب مثل التوازن والإحساس بالضغط والحرارة وسواها.
في الوقت الحالي، لا نزال لم نحقق تجربة غامرة حقاً وأفضل ما وصلنا إليه هو محاكاة البصر والسمع وربما التوازن في حالات خاصة. هذا لا يعني أن المحاكاة الغامرة بعيدة بالضرورة، بل أن هناك الكثير من العمل على الأمر لتحسين تجربتنا، وفكرة “إنترنت الحواس” مرتكزة على ذلك بالكامل.
ما هو إنترنت الحواس أصلاً؟
كما يوحي الاسم، ففكرة إنترنت الحواس مرتبطة من حيث المبدأ بفكرة إنترنت الأشياء، وهي أقرب لفرع من الأمر. حيث يفترض بأجهزة إنترنت الحواس أن تكون أدوات تقنية بسيطة نسبياً (لا تمتلك قدرات معالجة موازية للهواتف والحواسيب مثلاً) توفر لنا إحساساً افتراضياً يحسن من غمر التجربة الافتراضية التي نعيشها.
يرتبط إنترنت الحواس بشدة بمفهوم الواقع الممتد (مزيج بين الواقع الافتراضي والواقع المعزز والواقع المختلط) ويتوقع أن يكون مهماً لتوسيع تأثير الواقع الممتد في المستقبل. ولا يقتصر الأمر هنا على تجربة الانعزال الكامل عن الواقع في عالم رقمي مثل الميتافيرس أو في لعبة واقع افتراضي ما، بل أنه يمتد إلى تحسين تجاربنا في الحياة اليومية حتى.
لنأخذ تجربة بسيطة مثل التأمل على سبيل المثال، وهو نشاط يتزايد شعبية مؤخراً وبالأخص مع الإرهاق الناتج عن النهضة العمرانية والبعد عن الطبيعة. حيث بات الكثيرون يلجؤون لمحاكاة الطبيعة عبر العرض على شاشات وتشغيل الأصوات عبر مكبرات الصوت. لكن هذه التجربة القاصرة يمكن أن تصبح أفضل بمراحل بإضافة رائحة الأشجار أو حتى الإحساس بالنسيم مثلاً. هذه الإضافات الصغيرة تسهل علينا القفز من حالة العزلة عن التجربة إلى العيش ضمن المحاكاة ونسيان واقع أنها محاكاة فحسب.
إنترنت الحواس في عالم الألعاب
عبر العقود أظهر مجال الألعاب نفسه كواحد من أسس عالم الترفيه، وفي عام 2020 قفزت عائدات المجال السنوية إلى 180 مليار دولار أمريكي. وبينما لا تزال طرق اللعب التقليدية هي المهيمنة، فقد كان هناك تقدم تدريجي لتقنيات الواقع الافتراضي والمعزز للسماح للاعبين بتجربة لعب شديدة الواقعية.
تخيل الآن لعبة مثل The Elder Scrolls V: Skyrim حيث يبدو عالمها أقرب إلى العصور الوسطى. يتيح عالم اللعبة اندماجاً عالياً وتجربة خيالية مذهلة، لكن بإضافة رائحة المحيط وإحساس الرياح مثلاً، أو حتى إحساس حرارة النار التي ينفثها التنين، ستصبح اللعبة من مستوى مختلف تماماً من حيث الاندماج. تخيل أن تشعر بالهواء البارد عند مغادرة قلعة إلى بيئة متجمدة، أو أن تتمكن من لمس نصل السيف أو لحاء الشجر بفضل قفازات مخصصة.
يدرك الجميع اليوم أن الواقع الافتراضي يواجه تحدياً كبيراً من حيث أنه لا ينجح دائماً بخداع دماغنا، وبالنتيجة تختلف التجربة المرئية عن تلك المحسوسة بباقي الحواس مما يولد الدوار والصداع ويغامر بجعل التجربة مزعجة جداً. لكن بإضافة محاكاة الروائح والملمس سيتكون تجربة الواقع الافتراضي شبه غير قابلة للتمييز عن الواقع الحقيقي، وسيكون ذلك ثورياً للألعاب في المجال دون شك.
الميتافيرس ستكون أكثر واقعية من أي شيء يخطر بالبال
عندما قدمت شركة ميتا (فيس بوك سابقاً) منظورها للميتافيرس في العام الماضي، ظهرت العديد من المشاكل التي تتركز حول كون الشكل الحالي لتقنية الواقع الافتراضي غير كافٍ حقاً لجذب المستخدمين لتجربة عالم الميتافيرس وتجاربه بشكل مطول. لكن وفي حال أضفنا الحواس الأخرى إلى المعادلة من الممكن أن يتحول الميتافيرس إلى بديل شبه حقيقي للعالم الواقعي مع تجارب مميزة مثل تسلق الجبال أو حتى ممارسة الرياضات الجماعية بشكل بعيد وشديد الواقعية.
بالطبع سيكون هناك الكثير من الجدل حول مدى “واقعية” التجارب في الميتافيرس عند تقديم إنترنت الحواس، حيث سيكون الخط الفاصل بين الواقع والخيال ضبابياً أكثر من أي وقت مضى. وفق Ericsson، يعتقد نصف المستخدمين أنه وبحلول عام 2030 سيكون إنترنت الحواس قد تطور كفاية ليدمج الواقع والافتراضي من حيث الفعالية، وبالطبع يعد هذا واحداً من أهم أهداف الميتافيرس كما تراها الشركات الكبرى مثل ميتا ومايكروسوفت.
تسوق أفضل وواقع معزز بدلاً من الافتراضي
بالنظر إلى كل من الألعاب والميتافيرس، هناك الكثير من التركيز على الإحاطة وإزالة الفوارق بين ما هو حقيقي وما هو افتراضي. لكن هذا الأمر قد يكون بعيداً للغاية، وقبل أن نصل إلى مستوىً كافٍ يعزنا عن الواقع سيكون هناك تجارب تعزز واقعنا بدلاً من استبداله وتضيف أبعاداً جديدة لما يمكن تمثيله رقمياً.
في الوقت الحالي بات لدينا تقنيات فائقة من حيث القدرة على تمثيل كل من الصور والأصوات وبالتالي نقل التجارب المرئية والمسموعة. لكن ماذا عن الملمس والروائح؟ ماذا لو كان يمكنك لمس قماش الملابس التي تستعرضها على الإنترنت أو أن تشم رائحة عطر تبحث عنه أو أنك تريد معرفة طعم وجبة ما قبل أن تطلبها في مطعم؟ إنترنت الحواس هو الجواب هنا.
منذ الآن هناك بعض التقدم في هذا المجال، حيث استعرض مخترع ياباني شاشة خاصة قابلة للعق وتذوق الطعوم عبرها في ديسمبر من عام 2021، كما أن هناك الكثير من الأبحاث عن التركيب الصناعي والسريع للروائح بحيث يمكن تحسس ونقل تجربة الرائحة من مكان لآخر وتطوير الأمور لتتضمن مكالمات الفيديو مثلاً خياراً لتشم الزهور الموجودة على طاولة من تتحدث معه أو تتنشق عبق البحر وأنت تشاهد فيلماً أو مسلسلاً.
في الواقع من الممكن أن تقدم تقنيات إنترنت الحواس ثورة حقيقية في عالم الترفيه مشابهة للانتقال من الأفلام الصامتة إلى تلك تمتلك صوت في العقدين الثالث والرابع من القرن الماضي. فقط تخيل أن تشاهد برنامجاً عن الطبخ وتشم رائحة الطعام الذي يتم طهوه أو أن تتذوقه حتى وأنت في منزلك على بعد آلاف الكيلومترات.
الجيل السادس من الاتصالات قد يكون موعد إنترنت الحواس
كما أي نوع جديد من التحويل الرقمي للحواس، لن تكون عملية تحويل الروائح والطعوم والملمس إلى بيانات رقمية أمراً سهلاً. وكما كان الصوت والفيديو الأرجح أن تحتاج هذه الحواس لمساحات تخزين هائلة وبالتالي سرعات إنترنت عالية لنقلها أو بثها حسب الطلب. وبالنظر إلى أن البحث في مجال اتصالات الجيل السادس جارٍ اليوم على قد وساق ويتوقع له أن يأتي في وقت ما من بداية العقد القادم، فالأرجح أن تتزامن أولى التطبيقات الواسعة لإنترنت الحواس مع هذا الجيل الجديد من الاتصالات.
بالطبع لا يزال الكثير مجهولاً عن تقنيات مثل الجيل السادس، فهي لا تزال في المراحل المبكرة من التطوير دون معايير واضحة حتى. لكن من المثير للاهتمام أن بعض أكبر الشركات التي تعمل في مجال تطوير معايير الشبكات مثل Ericsson تضمن إنترنت الحواس تحت مظلة التقنيات التي سيفعلها الجيل السادس بشكل مشابه للتأثير الهائل المرتقب للجيل الخامس على إنترنت الأشياء.