الحوسبة السحابية.. صناعة ألعاب الفيديو في طريقها إلى تحول جذري

نمت صناعة ألعاب الفيديو نموا كبيرا خلال جائحة كورونا، وذلك مع رغبة مزيد من شركات التكنولوجيا الكبرى في الحصول على قطعة من الكعكة المغرية بوجود أكثر من ملياري شخص يلعبون ألعاب الفيديو بانتظام في مختلف أنحاء العالم.

وتتجاوز قيمة صناعة الألعاب العالمية الآن 300 مليار دولار، وذلك حسب تقرير لشركة “أكسنتر” (Accenture) نشرته أخيرا، وأضافت الصناعة 500 مليون لاعب جديد على مدار السنوات الثلاث الماضية، وذكر التقرير أن الإيرادات السنوية العالمية المقدرة في هذه الصناعة أعلى من المبيعات التي تحققها صناعة الموسيقى والأفلام مجتمعة.

وإذا كانت كلمة “ألعاب” ترسم في مخيلتك صورة لاعب وحيد يجلس في غرفة مظلمة في الطابق السفلي من بيت ما، مع سماعات رأس كبيرة، ويندمج باستغراق تام مع جهاز حاسوب أمامه، فقد لا تكون مخطئا تماما، فهذه هي الصورة النمطية التي حددت بها ثقافة “البوب” رؤيتنا للألعاب الإلكترونية، ومع ذلك فإن صناعة الألعاب في طريقها إلى تغير كبير لم يسبق له مثيل.

إعادة تخيل صناعة الألعاب

وتوسع حديثا تعريف الألعاب الإلكترونية ليشمل ألعاب الهواتف الذكية وألعاب الوسائط الاجتماعية والإعلان في الألعاب، وذلك بصرف النظر عن  الحاسوب التقليدي وألعاب الفيديو المتعارف عليها سابقا، وحاليا نحن في منتصف إعادة تخيل صناعة الألعاب للاستفادة من الإمكانات الكبيرة التي تقدمها “الحوسبة السحابية”، وهو الأمر الذي سيجعلها أكثر اجتماعية وأقل تحكما، حيث تتحول أستوديوهات تصميم الألعاب من تقديم الألعاب للأجهزة الثابتة إلى الأنظمة القائمة على السحابة، ويوفر هذا للاعبين فرصة للعب ألعاب متعددة في وقت واحد ويساعد الشركات على جني مزيد من الأرباح ألعاب متعددة الأجهزة

تخيل أن اللاعبين سيستمتعون بألعاب الفيديو في أي مكان وزمان، سواء أكان ذلك على هواتفهم الذكية، أو الأجهزة اللوحية، أو أجهزة الحاسوب المحمولة، وإذا شعروا أنهم بحاجة لشاشة أكبر فإنهم يملكون قدرة كاملة على تغيير الأجهزة حسب رغبتهم ومزاجهم، وذلك على عكس ما يحدث الآن مع وجود ألعاب مخصصة فقط للموبايل وأخرى لأجهزة الحاسوب أو الأجهزة اللوحية، فالإمكانات الكبيرة الكامنة في الحوسبة السحابية تسمح للمطوّرين بتشغيل أي لعبة مهما كانت على أي جهاز يريده اللاعب، وهو الأمر الذي تسعى إليه شركات التكنولوجيا وتصميم الألعاب للاستفادة من مراكز البيانات الضخمة بغض النظر عن مكان وجودها الأصلي لتشغيل الألعاب في أي نوع من الأجهزة وحسب رغبة المستخدمين.

تعمل الألعاب السحابية على إحداث تحول هائل في صناعة الألعاب، وذاك اللاعب الوحيد في قبو منزله لديه الآن فرصة لأخذ قسط من الراحة من جهاز الحاسوب الكبير الذي وجد نفسه مضطرا إلى اللعب من خلاله، بإمكانه وبكل بساطة الآن أن يلعب في الحديقة على هاتفه الذكي أو في أي مكان آخر، والأمر نفسه ينطبق على الأشخاص الذين لم يكونوا قادرين على شراء أجهزة الألعاب المتخصصة والغالية الثمن، مع الألعاب السحابية سيصبح بإمكانهم تحميل هذه الألعاب على هواتفهم.

كانت الألعاب مرادفة لوحدات التحكم وأجهزة الكمبيوتر، والوجه المتغير للصناعة يجعل الألعاب متاحة في كل مكان من حولنا الآن، وعلى أرض الواقع تتضمن حتى منصة “زوم” (Zoom) الآن ألعاب البوكر والغموض، وتسمح “تيك توك” (TikTok) ببث الألعاب لأكثر من مليار مستخدم لديها، وقد أكدت “نتفلكس” (Netflix) قبل أيام إضافة ألعاب الفيديو كجزء من الخدمات التي تقدمها لعملائها، حسب ما ذكرت المجلة.

وبينما يدور الحديث الآن عن “الميتافيرس” (metaverse)، ودمج تقنيات الواقعين المعزز والافتراضي في صناعة الألعاب، فلا يزال الغموض يحيط بمستقبل ألعاب الفيديو، ومع ذلك فقد بدأت معظم شركات التكنولوجيا الكبرى في العالم، بما فيها “آبل” (Apple) و”غوغل” (Google) و”ميتا” (Meta) و”أمازون” (Amazon)، إظهار اهتمامها بزيادة استثماراتها في صناعة الألعاب بشكل كثيف.

وحسب ما يقول أدريان مونتغمري، الرئيس التنفيذي لشركة “انثوزياست غيمنغ هولدنغ” (Enthusiast Gaming Holdings Inc)، ” (bnnbloomberg) أخيرا، فإن شركات التكنولوجيا الكبرى هذه تجد إمكانات وفرصا واسعة للاستثمار في ألعاب الجيل الجديد “الجيل زد” (Generation Z) وتتبع الأنماط الاستهلاكية له التي تعدّ الألعاب من أهمها، إن لم تكن أهمها على الإطلاق.

الهرب من الواقع

ارتبطت صناعة الألعاب بالرغبة في “الهرب من الواقع”، وقد يفضل البعض هذا المفهوم، ولكن حسب ما يقول كيلي سانتياغو أحد كبار القادة في عالم صناعة الألعاب “توفر الصناعة النامية الموارد لأولئك الذين يريدون الابتعاد عن هذا المفهوم التقليدي للألعاب واستبداله بمفهوم آخر هو الترفيه بدلا من الهرب، حيث تسمح القوة الحاسوبية للإنترنت لهذه الصناعة بالعثور على مساحة يلتقي فيها العالم الحقيقي بعالم الألعاب”.

وأيّد كريس الفكرة موضحا كيف أن “الميتافيرس” تعكس الشكل الأصلي للتواصل البشري الذي يحدث في العوالم الثلاثية الأبعاد، وهو ما يؤدي إلى اتصال أعمق، حسب رأيه.

تجارب اجتماعية مشتركة

يتعلق الأمر بإنشاء عالم يمكن للاعبين مشاركته بدلا من السماح لهم بالانغماس الفردي في لعبة ما، وكما يوضح كيلي “لسنا بحاجة إلى ممارسة الألعاب على جهاز حاسوب منزلي واحد بإنترنت منخفض الجودة بعد الآن”، مؤكدا أن “قوة مجتمعات الألعاب المتحدة تتعزز بخلق تجارب اجتماعية مشتركة بين اللاعبين باستخدام تقنيات العصر الجديد بسبب قربها من العالم الحقيقي”.

من جهته، ومن تجربته الشخصية، ناقش فريدريك ديكامبس، أحد كبار مطوري الألعاب، سحر ألعاب مثل “بوكيمون غو” (PokemonGo) أو”ديسكورد” (Discord) التي أدت إلى تواصل اجتماعي كبير بين اللاعبين على الرغم من أن الأنظمة الأساسية لهذه الألعاب ليست متعددة اللاعبين، ولا تتضمن رسوما غرافيكية متطورة، ولكن السحر يكمن في سهولة الوصول والتواصل التي تتيحها هذه الألعاب.

الميتافيرس العفوية

يُطلق اسم “الميتافيرس العفوية” (casual metaverse) على تلك الألعاب التي لا تحتاج إلى نظارات خاصة أو واقع معزز كي تلعبها، فبإمكانك ان تلعبها في “سناب شات” (Snapchat) أو التيك توك، وقد سمحت إمكانية الوصول إلى هذه الألعاب على هاتين المنصتين دون الحاجة لشراء نظارات متخصصة بعشرات الملايين من التنزيلات لها في مختلف أنحاء العالم، وهو عكس ما يحدث في المنصات العالية التقنية، فهذه المنصات الباذخة ستجذب الأغنياء ومن يملكون المال فقط، ومن جهة أخرى فقد أصبحت الألعاب الاجتماعية متاحة لمزيد من الناس بغض النظر عن أماكن وجودهم أو الأجهزة التي يستخدمونها، وفي كثير من الأحيان لا يحتاج الأمر إلى أكثر من جوال فقط.

وقال كيلي إن الترفيه يتحرك في اتجاه “نقاط صغيرة من التفاعل على مدار اليوم”، وهناك تحول كبير في الصناعة بسبب الألعاب التي يمكن الوصول إليها بسهولة، فليس عليهم أن يلعبوا ساعات طويلة في غرف معتمة أمام أجهزة ثابتة، وبإمكانهم الآن اللعب في أي وقت يشاؤون، وفي أي ساعة من اليوم، وبإمكانهم الخروج من اللعبة في أي وقت أيضا، وأثناء اللعب بإمكانهم التواصل والتفاعل مع بقية اللاعبين، وهذا هو التغير الأكبر الذي سيحدث في عالم الألعاب الذي تتيحه الحوسبة السحابية.

اقرأ المزيد:  نايك تستحوذ على شركة أحذية افتراضية تمهيدًا للميتافيرس

اقرأ المزيد: هواوي تعلن عن هاتفها القابل للطي P50 Pocket

التعليق بواسطة حساب الفيسبوك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى