الذكاء الاصطناعي ومستقبل الرعاية الصحية

الذكاء الاصطناعي ومستقبل الرعاية الصحية يعيش عالمنا منذ مطلع الألفية الثالثة، عصر الثورة الصناعية الرابعة، وهي التسمية التي أطلقت على المرحلة الأخيرة من سلسلة الثورات الصناعية التي شهدتها البشرية.

اقرا المزيد:شركات التكنولوجيا مضطرة إلى إنهاء تفضيلها لنفسها

لقد جاءت هذه الثورة امتدادًا لثورة تقنية المعلومات والاتصالات التي بدأت منتصف القرن العشرين مع اختراع الكمبيوتر وظهور شبكة الإنترنت وانتشارها في العقود الأخيرة منه، لترفد البشرية بابتكارات رائدة أبرزها الذكاء الاصطناعي، والروبوت، وإنترنت الأشياء، والمركبات ذاتية القيادة، وتقنيات الواقع الافتراضي والمعزز.

ويشير مصطلح الذكاء الاصطناعي (Artificial intelligence) إلى قدرة البرامج الحاسوبية على محاكاة القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، مثل إمكانية التعلم والاستنتاج وإبداء ردود أفعال على أوضاع لم تبرمج مسبقًا.

لقد أدى الاعتماد على الذكاء الاصطناعي إلى إحداث تحولات كبيرة في قطاعات واسعة مثل الصناعة والتعليم والزراعة والخدمات، لكن من المؤكد أن قطاع الرعاية الصحية يحتل أهمية كبرى في تطبيقات الذكاء الاصطناعي لما له من أثر مباشر على حياة وسبل عيش مئات الملايين من الأشخاص.

ويحدد الدكتور جو ألكسندر، الباحث في مختبر المعلومات الطبية والصحية في مركز أبحاث
NTT Research، تأثير الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية قائلًا: “يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتوفير رعاية فردية وفعالة للمرضى، فإذا تم تحديد التشخيص المناسب والعلاج المناسب في الوقت المناسب بمساعدة تقنيات الذكاء الاصطناعي، فإن النتيجة الإجمالية هي تقليل عدد حالات التشخيص غير المعروفة، وتقليل العلاجات الخاطئة، وما يرتبط بذلك من هدر للموارد والأموال”.

نستعرض لكم أبرز الطرق التي يمكن أن يساهم بها الذكاء الاصطناعي في تطوير الرعاية الصحية:

أولًا- مراقبة وتتبع المريض عن بعد:

تؤدي مراقبة المريض عن بعد إلى تقليل عدد الموظفين، وبالتالي توفير التكاليف.

يقول رايان زاتولوكين، كبير التقنيين في شركة أكسيس كوميونيكيشنز السويدية المتخصصة بأنظمة المراقبة، أنه “يتعين على العديد من المستشفيات تعيين جليس لمراقبة المرضى المعرضين لمخاطر السقوط من الأسرّة المرتفعة، للتخفيف من أية إصابات إضافية، وضمان سلامة هؤلاء المرضى”.

وأدى انتشار جائحة فيروس كورونا منذ مطلع العام الحالي إلى تفاقم هذه المشكلة نتيجة نقص العاملين في مجال الرعاية الصحية، وانشغال معظمهم بالعناية بمرضى الوباء.

ويضيف زاتولوكين: “مع ذلك، يمكن من خلال تدريب الذكاء الاصطناعي على وضعيات مختلفة للمريض في السرير، أو حالة الأغطية، أو مؤشرات أخرى، التعرف على ما إذا كان المريض معرضًا للسقوط أم لا”.

ويوضح أنه يمكن للذكاء الاصطناعي بناء خوارزمية لاكتشاف متى يحاول المريض الخروج من سريره، ثم تنبيه عامل الرعاية الصحية ليتدخل قبل سقوط المريض.

كما يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة المريض عندما يكون في منزله.

يقول الدكتور مانجيت ريجي مدير تطبيقات الذكاء الاصطناعي في جامعة سانت توماس في ولاية مينيسوتا الأمريكية، أنه “بمساعدة الكمبيوتر وتقنيات معالجة اللغة الطبيعية (NLP) باستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكننا الحصول على مساعدين رقميين لتذكير المرضى بتناول أدويتهم في الأوقات المناسبة، يمكن للمساعد الرقمي أيضًا مراقبة المرضى للتأكد من تناولهم الدواء حتى بعد التذكير”.

ويرى ريجي أن الرعاية الصحية أصبحت اليوم رعاية توجيهية من خلال التوصية بالإجراءات التي يمكن اتخاذها، أكثر من كونها وقائية؛ يمكن للذكاء الاصطناعي من خلال جمع البيانات وتحليلها، منع حدوث نتائج سلبية بشكل استباقي في المستقبل.

ثانيًا- التعرف على المشكلات الصحية والتنبؤ بها:

يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد المشكلات الصحية لدى المريض من خلال خوارزميات تساعد الطبيب على تشخيص المرض بشكل أفضل.

يمكن للذكاء الاصطناعي بناء خوارزمية تعتمد على عشرات الآلاف من الصور لعضو معين في الجسم، أو نتائج اختبارات محددة، وبناءً على هذه المعلومات، يمكن تدريبه على تحديد الاختلافات والأنماط، كما أنه يوفر للأطباء مجموعة إضافية من أدوات المراقبة الدقيقة.

على سبيل المثال، عندما يريد الطبيب تشخيص مرض معين في العين، مثل المياه الزرقاء، يمكن تدريب الذكاء الاصطناعي على جميع الصور الممكنة للعين السليمة وأيضًا العيون المصابة، لتحديد الفرق بين المياه الزرقاء أو غيرها من التهابات أو أمراض العين.

اقرأ أيضاً  كيف يساعد الذكاء الاصطناعي في السيطرة على فيروس كورونا؟

وقد لا يلاحظ الطبيب في مراحل مبكرة بعض التغييرات الطفيفة في عين المريض، لكن بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يلاحظ هذه التغييرات، مما يسمح للطبيب بتشخيص المشكلة في وقت مبكر.

بالإضافة إلى التشخيص المبكر للأمراض، يمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا التنبؤ باحتمالية الإصابة بمرض أو حالة طبية معينة.

يستخدم الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية أيضًا لتقييم وقياس عوامل الخطورة المرتبطة بالمرض، بالإضافة إلى تحسين العمليات التي تؤثر على دقة الاختبارات التشخيصية.

على سبيل المثال، تستخدم شركة “دينسيتاس” الكندية المتخصصة بتحليل الصور الشعاعية عن طريق الذكاء الاصطناعي، تقنيات تعليم الآلة والتعلم العميق لتحديد النساء المعرضات لخطر الإصابة بسرطان الثدي، استنادًا إلى تقدير المخاطر الخاصة بالمريضة، والمستمدة من تحليل الصور الشعاعية للثدي باستخدام الأشعة السينية، بحيث يمكن تخصيص بروتوكولات الفحص لكل مريضة بمزيد من التكرار، والمتابعة باختبارات إضافية أو التصوير المساعد بالموجات فوق الصوتية والرنين المغناطيسي.

يتم استخدام تقنيات التعلم الآلي والتعلم العميق لقياس عوامل خطر الإصابة بسرطان الثدي، للحصول على اختبارات موثوقة وقابلة للتكرار يتم تطبيقها بصورة موحدة على جميع المفحوصات، كما يمكن استخدام هذه التقنيات لتحديد الصور الشعاعية ذات الجودة غير المناسبة، والتي تزيد من خطر عدم كشف الإصابة، مما يؤدي إلى تأخر التشخيص والعلاج.

ثالثاُ- تطوير الأدوية:

تشير بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، إلى أن الأمريكيين ينفقون 1229 دولارًا سنويًا على الأدوية الموصوفة، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في خفض هذه التكاليف.

يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتصنيع عقاقير متعددة الأهداف، تستهدف جينات متعددة باستخدام نفس المركّب، كما يمكنه أيضًا تخصيص الأدوية والعلاجات للحالات الطبية الفردية.

يمكن أن يوفر الذكاء الاصطناعي لشركات تصنيع الأدوية الكثير من الوقت والمال، يقلل الذكاء الاصطناعي من تكلفة تطوير الأدوية من 2.5 مليار دولار في 12 عامًا، إلى أقل من مليار دولار في 7 أعوام، حيث يمكن استخدامه في عدة مراحل أثناء عملية التصنيع، بما في ذلك اختيار المركبات، واختبار سلامة الأدوية، وتحديد العلامات الحيوية، كما يوضح راجيف دوت، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة AI Dynamics.

اقرأ أيضاً  كيف يستعين أصحاب المشاريع الصغيرة بالذكاء الاصطناعي؟

يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي أيضًا لتحقيق الجدوى التجارية، واختيار المرشحين لتجارب الأدوية، وتقييم نتائج التجارب الدوائية، وتسويق الدواء، وتقييم السلامة والآثار الجانبية بعد طرحه في الأسواق.

رابعًا- أتمتة الأعمال الروتينية المملة

يمكن للذكاء الاصطناعي التعامل مع المهام العادية والمتكررة في قطاعات واسعة من بينها الرعاية الصحية، تتضمن هذه المهام إدارة الإيرادات والأرباح، والموارد البشرية، وسلاسل الإمداد والتوريد، وهي أعمال تستغرق عادةً وقتًا طويلًا كما أنها معرضة بشكل كبير للخطأ البشري، وهي تستهلك الكثير من الموارد، وتزيد في التكاليف.

تشكل المهام الإدارية ما يقرب من ثلث تكاليف الرعاية الصحية، ويمكن للذكاء الاصطناعي المساهمة في توفير المال، والمساعدة في التركيز على المهام ذات القيمة الأعلى.

على سبيل المثال يمكن استخدام معالجات اللغة الطبيعية لجمع البيانات الصوتية من المرضى وتحويلها تلقائيًا إلى نصوص، وإدخال البيانات في أنظمة الذكاء الاصطناعي لفهم الأعراض التي وصفها المرضى، يمكن أيضًا إضافة البيانات تلقائيًا إلى السجل الطبي للمرضى بتنسيق مناسب، ما يوفر الوقت اللازم لإدخال البيانات بشكل يدوي.

مع الاندماج المتزايد للذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، يراقب الخبراء مجال الرعاية الصحية، بحيث يتم تحرير الموارد البشرية من الوظائف الشاقة والمتكررة، بينما يتم استخدام التعلم الآلي والتقنيات المتقدمة للتعرف على الأشياء التي لا يستطيع البشر القيام بها بكفاءة عالية، أو التي تشكل خطرًا عليهم، بما يعود بالفائدة على المرضى الذين ستتاح لهم فرص أكبر من الرعاية والتشخيص والعلاج، والأطباء الذين سيجدون المزيد من الوقت للقيام بمهام أكثر كفاءة وتطوير مهاراتهم وخبراتهم، والمؤسسات الصحية التي ستوفر من التكاليف والنفقات، وكل ذلك سيسهم في توفير رعاية صحية موثوقة وذات جودة عالية لأفراد المجتمع.

اقرا ايضا:تشغيل تطبيقات ويندوز عبر لينكس أصبح أسهل

التعليق بواسطة حساب الفيسبوك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى