هواوي وسياسة التسويق ذات الحدّين: لماذا اليوتيوبرز العرب تحديداً؟! حسنًا، هواوي هي شركة عملاقة في مجال الإلكترونيات الذكية، وسواء أحببت منتجاتها أم لا، فلها باع طويل في الصناعة لا يمكن لأحد أن ينكر فضله على دفع عجلة الإبداع للأمام، ورفع سقف المنافسة مع كل جهاز جديد يصدر لها في أي تصنيف من تصنيفات المنتجات. سواء أكان المنتج عبارة عن هاتف ذكي، جهاز لوحي باللمس (تابلت)، حاسوب محمول (لابتوب)، أو حتى تقنية ثورية في مجال التقاط إشارات الإنترنت وإعادة توزيعها باستخدام أحدث أجيال الاتصالات المحمولة والبيانات G الجديدة (أشهرها 4G و 5G).
اقرا المزيد:هواوي تفتتح متجرها الأكبر خارج الصين في الرياض
لكن بالرغم من دخول هواوي في عشرات المجالات، صغيرة وكبيرة، إلا أن اهتماماتها في النطاق العربي ينصب على الهواتف بشكلٍ عام، ومؤخرًا بات هذا الاهتمام موجهًا لأجهزة الحاسوب المحمولة، خصوصًا بعد إصدار أحدث أجهزتها، الـ HUAWEI MateBook X 2020. ومع الحواسيب خصوصًا (والهواتف عمومًا)، لدينا وقفة هنا في أراجيك..
السؤال البديهي.. لماذا تعتمد هذه الشركة العملاقة في سياسة تسويقها على اليوتيوبرز العرب بشكلٍ عام؟ بينما شركات أخرى مثل Apple وغيرها لا تهتم بتوسيع سوق مبيعاتها وتقتصر إرسال الهواتف والأجهزة على اليوتيوبرز العمالقة مثل MKBHD؟ حتى أن أبل تبرأت من يوتيوبر بحجم صاحب قناة Unbox Therapy بعد ثنيه لأحد أجهزتها في فيديو كامل موجه لهذا الغرض فقط.
اليوم نحاول الإجابة على هذا السؤال، مسلطين الضوء على الأسباب الخفية خلف آلية هواوي التسويقية، ولماذا هي فعلًا ذكية عند طرحها في الوسط العربي، وما المخاطر التي تأتي معها كأعراض جانبية.
كيف يعمل التسويق من خلال اليوتيوبرز عمومًا؟
في الواقع، إنها آلية تسويق قديمة قِدم اليوتيوب نفسه. وببساطة تتلخص في إرسال شركة ما لمنتجٍ ما إلى يوتيوبر ما، من أجل مراجعته. ربما ترسل الشركة رسالة طويلة تصل إلى طول العريضة القضائية، تطلب فيها ذكر تفاصيل محددة ومعينة في المراجعة بهدف جذب الجمهور للمنتج بعينه، وربما لا ترسل أي شيء سوى الجهاز فقط وتترك للمراجع حرية الحديث عنه بقدر ما يشاء، حتى ولو قال أنه لا يجب شراء هذا الجهاز أبدًا.
هذا في العموم، فماذا عن الخصوص؟
الخصوص هو أن الوسط العربي لا تنطبق عليه تلك القاعدة بالقدر المطلوب بعد، للأسف. فعندما ننظر إلى المراجعين التقنيين الجيدين، سنرى أنهم يُعدون على أصابع اليد الواحدة حرفيًّا، مَن يستطيعون الإدلاء بدلوهم في أمور التقنية بعدم تحيز هم أقلية فعلًا، بينما الباقون ما هم إلا يوتيوبرز يريدون جني المال من بيع منتجات تلك الشركات بعد عمل المراجعات، فبالتالي لا يهم إذا كان رأيهم مفيدًا أم لا، فهم على كل حال سيجنون المزيد والمزيد من الأجهزة من الشركة في المستقبل، وهذا لكون الجمهور يزداد في العدد كل يوم.
كلما كان عدد أفراد الجمهور أكبر، زادت فرصة بيع الجهاز المعين من خلال اليوتيوبر. فالأمر أشبه بجعل لاعب كرة شهير واجهة علامة تجارية لساعات مثلًا، الناس ستشتري الساعة من أجل نشر صور على وسائل الاعلام والانترنت مع هاشتاج للاعب الكرة كنوع من الحب غير المباشر. لكن في الهواتف، الأمر أعقد من ذلك بكثير. أنت ربما تضع 1000 دولار في هاتف، وصدقًا، مبلغ كهذا لا يجب أن يُدفع لمجرد التباهي بحبك للواجهة الإعلانية للمنتج أبدًا.
سياسية هواوي في الوسط العربي وعلاقتها بقطع خدمات جوجل
هواوي اعتمدت على اليوتيوبرز العرب أكثر من أي يوتيوبرز آخرين في طرح أجهزتهم بالأسواق، دعاية زهيدة جدًا إذا طلبتم رأيي، لكنها فعالة وذكية أيضًا. مؤخرًا علمنا أن الولايات المتحدة الأمريكية ضربت عرض الحائط بكل استثمارات هواوي في جوجل، نازعة إياها من قائمة الشركات المسموح لها باستخدام كافة خدمات جوجل في أجهزتها الذكية. أي أن متجر جوجل بلاي انتهى أمره معها، وكذلك كل التطبيقات التي تنتمي إليه من قريب أو بعيد ومصنوعة من قِبل جوجل نفسها، مثل تطبيقات حفظ الصور، الكتابة، حفظ الملفات على السحابة، إلخ.
هذه ضربة قاضية، لكنها ليست قاضية تمامًا، فالجمهور العربي غير مهتم بتلك الأشياء في الواقع، وهذا بدليل ارتفاع مبيعات هواتفها في مصر تحديدًا، مثل هاتف NOVA 5T الأخير. ولهذا السبب بالتحديد لجأت هواوي لليوتيوبرز العرب. فأغلب ما يقوم به المواطن العربي ماذا؟ تصفح فيسبوك وتويتر 24 ساعة في الدقيقة مثلًا؟ أم متابعة أخبار السياسة الجافة في الصحف الإلكترونية الخالية من الألوان والحياة؟ آه، وربما أيضًا يهتم بمطالعة جديد كرة القدم ومشاهدة البثوث المباشرة عبر الإنترنت، أليس كذلك؟
اقرا المزيد:هواوي تحدث ثورة تكنولوجية في عالم الحواسب المحمولة مع بداية 2021
أغلب العرب لا يضعون ملفاتهم على السحابة، ولا يجدون أنفسهم يذهبون في كل دقيقة إلى متجر جوجل لتحميل شيء جديد، فأغلبهم يذهبون إلى مواقع تحميل الـ APK المُكرك – MODS للحصول على التطبيقات الباهظة، مجانًا.
وهذا شيء تعلمه هواوي جيدًا: الجمهور لن يبالي.
وبالفعل هو لا يبالي.
لكن في المقابل فهي خسرت الشريحة التي تهتم بجوجل فعلًا، الشريحة المنتجة والمعتمدة أولًا وأخيرًا على الـ Gmail الذي يربط أركان حياتها بالكامل.
الجانب السلبي (الحقيقي) لسياسية هواوي التسويقية
الجانب السلبي غير الحقيقي ببساطة هو تقديم جهاز للجمهور بدون خدمات جوجل، وذلك عبر جعل اليوتيوبر متحججًا بوجود تطبيقات كثيرة (فعّالة) في متجر هواوي البديل App Gallery. وهذا لكونها فعلًا غير فعالة، فمن المستحيل مضاهاة جوجل هذه الأيام، أبدًا.
لكن الجانب السلبي الحقيقي فعلًا هو إرسال تلك الهواتف لغير المختصين، لمجرد حصولهم على قاعدة شعبية كبيرة على فيسبوك أو يوتيوب. هؤلاء لا يكون لهم أي اهتمام بالتكنولوجيا من قريب أو بعيد، لكن يتم إرسال الأجهزة لهم فقط من أجل الترويج، وهذا فعلًا ترويج سلبي. فإما يشتري المستخدم الجهاز ويكتشف أنه غير عملي بالمرة له (لأن اهتماماته لا تقع في حيز الاستفادة الفعلية من التكنولوجيا) ويحتمَّل بينما يلعن اليوتيوبر في قرارة نفسه، أو يرجعه للشركة مما يضع سمعتها السوقية في خطر.
أفضل مثال على ذلك هو فتحك لليوتيوب فجأة، لتجد سيدة صاحبة قناة طبخ دائمًا ما تتابع معها أشهى وأبسط الأكلات، حاملة لأحدث حواسيب هواوي الذكية، لتقوم بمراجعته أمامك، الأمر ساخر جدًا. ولا تتحاملوا عليّ، أنا لا أقول أنه لا يجب على أصحاب قنوات الطبخ امتلاك حواسيب، بل أقول أن سياسة التسويق السليمة هي اختيار الواجهة الأنسب لعرض المنتج بهدف رفع معدلات المبيعات في النهاية، مع أقل نسبة مرتجعات وتقييمات سلبية ممكنة.
هواوي للأسف تعيش هذه الأيام بمبدأ: “كل الصحافة، هي صحافة جيدة – All press is good press“. أي أنه حتى إذا كانت النتيجة الترويجية سلبية على اسم الشركة في الشرق الأوسط، فعلى الأقل قد تم ذكر اسمها في الأوساط المعنية بالتكنولوجيا. لذلك اعتمادها الرئيسي الآن على تأثير الفراشة، اليوم الفراشة ترفرف ببطء وتؤدة، ولاحقًا من الممكن أن تسبب إعصارًا.
اقرا المزيد:هواوي تعيد تصميم متجرها للتطبيقات AppGallery