بعد كل هذه المشاكل الأمنية وانتهاك الخصوصية.. هل تستطيع شركات التقنية الكبرى استعادة ثقتنا مجدداً؟
بعد كل هذه المشاكل الأمنية وانتهاك الخصوصية.. هل تستطيع شركات التقنية الكبرى استعادة ثقتنا مجدداً؟ في ظل الأحداث المجنونة التي تحصل في الولايات المتحدة الأمريكية وما يتبعها من عواقب، وبعد حظر الرئيس دونالد ترامب من استخدام موقعي تويتر وفيسبوك وإيقاف حساباته مؤقتاً أو دائماً أو التفاعل معها على منصات أخرى، وحظر منصة تواصل «بارلر» من قبل أمازون وآبل وجوجل بحجة احتضانها للآراء اليمينية المتطرفة، وكذلك تحديث واتساب الجديد على سياسات الخصوصية؛ والذي يرغم مشتركيه على الموافقة على مشاركة بياناتهم مع موقع فيسبوك أو منعهم من استخدام التطبيق. تقع شركات التقنية الكبرى تحت بقعة ضوء “سحب الثقة” مجدداً، موجَّهةً إليها أصابع الاتهام بالانحياز ومنع حرية التعبير التي تدّعي أنها تحميها. وبدأت بالفعل حملات عديدة تدعو للمقاطعة وإعادة النظر في حجم القوة التي أصبحت تمتلكه هذه الشركات وتأثيرها على الرأي العام.
اقرا المزيد:كيف تستطيع الشركات الناشئة الاستفادة من مزايا بلوك تشين للنجاح؟
وعندما تكون شركتك في مرمى نيران وسائل الإعلام، فلن تستفيد من منفعة الشك. نظريات المؤامرة وفيرة، وحتى الأفعال البريئة، مثل حذف إعلانٍ ما أو مادةٍ ما تنتهك حقوق النشر أو مقطع فيديو لشخص ما دون إذنه، يتم تحريفها لتلائم الرواية التي تُظهر سلوكاً سيئاً من الشركة. فما الذي تستطيع هذه الشركات فعله لإنقاذ نفسها من هكذا موقف؟ وما حجم الخسائر التي تتكبدها؟
أين تكمن أهمية ثقة المستخدمين بالضبط؟
تنهار المجتعات بدون ثقة. إذ يفتقر البشر إلى الوقت والمعلومات والقدرة العقلية للتحقق من أن شيك الراتب سيتم تسليمه كما هو موعود، أو أن السيارة مصممة وفقاً لما هو مكتوب في الإعلان، أو أن موظفاً حكومياً ينفذ قوانين بلده بأمانة. فإذا كان الأفراد لا يثقون في الآخرين وفي المؤسسات، فلن ينخرطوا على المستوى المدني ولا الاقتصادي ولا حتى السياسي، لأنهم سيعتقدون ببساطة أن القيام بذلك ليس لديه فرصة تذكر في أن يكون مفيداً.
أما الثقة الأكثر أهمية هذه الأيام، هي الثقة بشركات التكنولوجيا التي امتدّ استخدامها إلى كافة الجوانب. حيث يعتمد البشر على محركات البحث مثل «بينج» أو «جوجل» أو «ياهو» للعثور على معلومات يومية مثل كيفية الحصول على رخصة القيادة، أو مكان أقرب مطعم، أو مكان إصلاح السيارة، أو على معلومات أكثر أهمية مثل أعراض مرضٍ ما أو بحثٍ عملي تاريخ وتوجّهات سياسيّ مرشح ما.
ويعتمد الناس على فيسبوك وتويتر وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي للحفاظ على الصداقات أو رؤية الأحفاد وهم يستمتعون بعالم ديزني أو حتى الحصول على آخر الأخبار السياسية. وفي ظل جائحة كورونا، وتوجه العديد من الشركات والجهات للعمل من المنزل، أصبح الناس يعتمدون على شركات التكنولوجيا لإجراء المعاملات المالية وإدارة السفر وشراء المنتجات وإجراء الاجتماعات وحتى إيجاد المساعدة في حالات الطوارئ. فهي باختصار أصبحت توفر البنية التحتية التي يبني عليها الأشخاص حياتهم ويديرونها.
نستطيع أن نستشفّ حجم الاعتماد عليها بالنظر إلى مثال شركة «فيسبوك»، التي رُفعت عليها عدة دعاوى انتهاك خصوصية، إلا أن مستخدميها آخذين بالازدياد، نظراً لقلة البدائل التي توفّر ذات القدر من الميزات. لكن ما يحصل في الآونة الأخيرة يعتبر أكبر ضربةٍ لثقة المستخدين، فنحن نقف على مفترق طرق سيُحدد شكل علاقة المستخدمين مع شركات التقنية الكبرى في المستقبل.
ما الذي يجب فعله لإنقاذ ما تبقى من السمعة؟
على الشركات أن تبدأ بحل المشكلة التي أشعلت الفتيل؛ التنوّع، إذ يجب تكثيف الجهود في الحرص على وجود التنويع في الجيل الحالي والجيل القادم من مستخدمي هذه المنصات. أن تكون بيئة شاملة غير قابلة للتفاوض يمكن لأي شخص الدخول إليها ولا تنتمي معاييرها إلى أي طرف مهما بلغت صحة موقفه من منظور صاحبه. لا يمكن أن يكون هناك معركة بين “نحن” و “هم”، وذلك لتحقيق ثقة وتعاون حقيقيين ومستدامين في الصناعة. فلا ينطلق العنان لإمكاناتنا الجماعية إلا إذا كانت فقط: جماعية.
يجب كذلك إعادة تشكيل المهارات، وهناك ربحٌ اقتصادي مؤكد إذا استُثمرت المهارات الجديدة في إعادة تشكيل القوى العاملة اليوم في مجال التكنولوجيا. وفقاً لدراسة أجراها فريق موقع Code.org، هناك 500 ألف وظيفة حوسبة مفتوحة في الولايات المتحدة وحدها، بينما أشارت المفوضية الأوروبية إلى أن 44% من المواطنين الأوروبيين لا يمتلكون المهارات الرقمية الأساسية. يتطلب مستقبلنا إعادة إشراك مواهب أولئك المهمّشين وإلحاقهم بركب التطورات التكنولوجية وإعدادهم لأدوار جديدة في الثورة الصناعية الرابعة. فمع هذا العدد الكبير من العمال المحرومين، وفتح وظائف التكنولوجيا على مستوى العالم، فإن إعادة تشكيل المهارات هي الحل الواضح. كما أن هناك حسنةً أخرى لذلك؛ لا شيء يعزز حسن النية أكثر من شمولية الفائدة وتوفير مساراً واضحاً لحياة أفضل. ولن يستغرق الأمر كثيراً ليلحظ أي شخص عودة الثقة بالارتفاع.
يقع على عاتق الشركات أيضاً إخراج نفسها مما أوقعت نفسها به، ووضع حدّ لانتهاك خصوصية بيانات المستخدمين. فمع استمرار نمو صناعة التكنولوجيا في الحجم والأهمية، من المنطقي أن تسعى الحكومة والهيئات التنظيمية إلى توفير الرقابة والحماية لمواطنيها. ويُعد قانون الخصوصية للاتحاد الأوروبي، المسمّى باللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)، مثالاً ممتازاً للنهج الشامل والضروري لإدارة البيانات والقيادة المسؤولة.
ولا يوجد شيء “سيئ” بطبيعته حول عملية تجميع البيانات الشخصية من قبل الشركة بحد ذاتها؛ في الواقع، عند استخدامها لتقديم تفاعلات قابلة للتخصيص وذات قيمة مضافة، فهي عملية مفيدة للغاية لكل من الشركة والعميل. لكن استخدامها في ما يخدم الإعلانات وزيادة أرباح الشركة أو ما يحقق مآرب سياسية معيّنة هو ما يُعد فضيحةً وسقطةً في تاريخ هذه الشركات. لذا، يتعين على المؤسسات أن تتحلى بالشفافية بشأن استخدام بيانات المستخدم وأن تبني الخصوصية والأمان في منتجاتها وخدماتها بشكل فعلي. وبالتالي فإن اللائحة العامة لحماية البيانات هي تشريعات مهمة لضمان حماية البيانات والحفاظ على الثقة.
كما يمكن لشركات التكنولوجيا أيضاً تحسين صورتها من خلال تحميل نفسها وقادتها المسؤولية عندما تخفق بحق المستهلكين، لا أن تتملّص منها كما فعل مدراء شركات جوجل وفيسبوك وتويتر وآبل التنفيذيين في جلسة الاستماع أمام مجلس الشيوخ الأميركي التي عُقدت في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام المنصرم. إذ يمكن أن توفر تشريعات حماية المستهلك بعض المساءلة، وبالتالي مسؤولية أكبر على عاتق الشركات، كما يمكن إجبار المديرين التنفيذيين على الاستقالة بعد وقوع زلاتٍ كبيرة.